لا يجب أن تمر جريمة حسين سائق التوك التوك السوهاجى الذى قتل أمه بسم الفئران مرور الكرام، كنت قد طرحت أمس السؤال: لماذا قتل أمه وكان أمامه بدائل واحتمالات عديدة لإتمام زواجه ممن يحب دون أن يرتكب الجريمة البشعة، وأشرت إلى وجود يد قاهرة تعبث فى قيم المصريين وأحلامهم وعاداتهم وأخلاقهم.
وهنا أعود إلى نقطة هى المفتاح فى الشخصية المصرية ولعلها الكاشفة لما نراه ونقرأ عنه من جرائم شاذة أصبحت متكررة بصورة ملحوظة فى مجتمعنا وأعنى بها تراجع الإيمان والوازع الدينى رغم انتشار مظاهر التدين والتطرف فى الوقت نفسه.
المصريون من أقدم الشعوب التى عرفت الأديان، كما عرفت منظومات الأخلاق، وتراكم لديهم رصيد ضخم من القيم الدينية والأخلاقية على مر العصور، بدءًا من الديانات الأرضية وصولاً إلى الديانات التوحيدية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، ثم كان المزيج المصرى الفريد فى التعايش بين أصحاب هذه الديانات من خلال منظومة أخلاقية تتجاور مع المعتقد الدينى، وفى المقدمة منها البر بالوالدين وصلة الرحم وتوقير الكبير والإحسان إلى الجار والحرص على حسن التعاملات فى مجالات الحياة المختلفة، وذلك بغض النظر عن الديانة والاعتقاد
فى السنوات الأخيرة أصبحنا أمام ظاهرة محيرة ،تتمثل فى تراجع الإيمان وما صحبه من تراجع فى القيم الأخلاقية الحاكمة للمجتمع مع شيوع المظاهر المتشددة للتدين ،الذى يصل فى أحيان كثيرة إلى التطرف الذى يهدد النسيج الاجتماعى.
يبدأ التدين الظاهرى باستعراض مظاهر التدين الخارجية مثل اللحية والجلباب القصير ويمد الخيط مباشرة إلى تكفير المختلفين والبحث عن وسائل إخضاعهم وفى ذلك يغيب الإيمان الحقيقى ، حيث المعيار هو العمل الصالح فالإيمان هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الكاشف الذى رواه البخارى يقسم فيه النبى قائلاً "والله لا يؤمن ،وكررها ثلاثاً، قيل من يا رسول الله؟ قال الذى لا يأمن جاره بوائقه، أى شروره، وكذا الحديث الذى رواه مسلم وفيه تفصيل لسمات المنافق غير المؤمن "إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان".
وفى إنجيل متى " 5 : 44 - 48 " ،" أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكى تكونوا أبناء أبيكم فى السموات ، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين.. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل"
وأتفق مع القارئ محمد شوقى الذى أشار علىّ بالأمس إلى أن غياب الوازع الإيمانى هو السبب فى كثير من أشكال وصور الانحطاط الأخلاقى والقيمى التى نلمسها فى مجتمعنا، ولعل فى المقدمة منها تلك الجرائم الأسرية البشعة، فالانفصال بين مفهوم الإيمان ومقتضياته الأخلاقية والسلوكية هو ما أبرز لدينا تلك الأشكال المشوهة من التدين الظاهرى الاستعراضى والجرائم الشاذة التى تهز أسس المجتمع وتخلخل بنيانه..
فكيف العودة إلى الوحدة بين مفهوم الإيمان ومقتضياته؟ سؤال يحتاج عقدا اجتماعيا جديدا.