فى المؤتمر كان كل شىء يسير بطريقة عادية.. ندوة لصاحب بنك الفقراء وتقيم لتجارب فردية لنساء مسلمات من كينيا وأوغندا.. بعد الانتهاء من تناول غذاء جماعى.. منظمو المؤتمر طلبوا منا التوجه إلى قاعة كبرى تشبه قاعات الاجتماعات فى جامعة القاهرة..
الزميلة اللبنانية قالت "اليوم سنكون مع أوباما وجها لوجه" فقلت لها لا يوجد ما يشير لحضور أهم شخصية فى العالم هنا.. فلا إجراءات استثنائية ولا الأمن منتشر فى أركان المبنى ولا أى شىء غير عادى لذلك ربما يكتفى بإرسال أحد مساعديه..
قبل أن ننتهى من الحديث كنا نعبر من بوابة للكشف عن المعادن وتم تفتيش حقائبنا وأجهزتنا وإعادتها بعد التأكد من هوياتنا الصحفية.. لحظات ودوت القاعة بالتصفيق فإذا بالرئيس باراك أوباما يقف أمامنا يلقى خطابًا قصيرًا أغلبه ترحيب وثناء على أصحاب المشاريع..
اللافت أن أوباما أعلن فى خطابه عن تحقيق أمنية الفتاة الفلسطينية بإعطائها منحة للدراسة بإحدى الجامعات الأمريكية، كما أعلن عن تخصيص برنامج لدعم هذا النوع من التجارب الفردية لتشجيع المبادرات والأفراد للقيام بمشروعات مماثلة فى العالم الإسلامى..
أوباما كان يعلم أنه أمام وفود من 50 دولة إسلامية ويدرك أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للمشاركين.. قبل أن ينهى كلمته كرر على أسماع الحاضرين تعهده الذى لا يتحقق بإقامة دولتين الأولى لإسرائيل والثانية للفلسطينيين.. طبعا دوت القاعة بالتصفيق مرة أخرى.. الرئيس الأمريكى كان مرحا ومشجعا فعلا للمشاركين وكان مقررا أن يلقى الكلمة ثم يغادر القاعة لكنه كسر برتوكول تحركاته المعد سلفا ونزل إلى القاعة ليصافح الوفود حتى أن إحدى السيدات العربيات انفعلت بالمشهد وطبعت على جبينه قبلة سريعة وسط صراخ باقى المشاركات..
على عادة العرب بعضهم أعطاه كارت اتصالاته الشخصية والبعض الآخر أخرج تليفونه المحمول يلتقط بسرعة ما أمكنه من مشاهد نادرة لرئيس أكبر دولة فى العالم باعتباره مشهدا نادرا ما يتكرر بالنسبة لأغلب المشاركين..
من جانبى اكتفيت بتأمل ملامح أوباما والإشارة له من بعيد بعد أن أشفقت عليه من الهجوم المباغت للحاضرين.. اللافت أن وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون ألقت كلمة أخرى على المشاركين الذين رحبوا بها بحرارة، ولكنها لم تفعل مثل أوباما وبقيت تلوح بيديها وانحنت ترحب وتصافح من استطاع الوصول إليها..
كان اهتمام أوباما بالمؤتمر والمشاركين يحمل رسالة تصب فى رغبته بفتح صفحة جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين، ومحاولة إذابة جبال الجليد التى بناها بوش الابن بين أمريكا والشعوب المسلمة.. كنت أتوقع أن المؤتمر وجهود أوباما سوف تدفع الدماء من جديد فى شرايين العلاقة الأمريكية مع المسلمين لكن فجأة ظهر قائد شرطة نيويورك من جديد.. وعلى طريقة الأفلام الأمريكية ظهرت صورة طائرة تتحرك على مدرج مطار جون كيندى بنيويورك استعدادا لإقلاعها فى طريقها إلى دولة الإمارات العربية.. فإذا بعملاء جهاز المباحث الفيدرالية يوقفون محركاتها فى اللحظات الأخيرة ويتم القبض على فيصل شاه المشتبه به فى تدبير حادث تفجير ميدان "تايم اسكوير"..
فيصل شاه شاب أمريكى من أصول باكستانية متزوج ويحمل ماجستير فى الإدارة من إحدى الجامعات الأمريكية.. فى ساعات كان تاريخ حياة فيصل وزوجته وأقاربه وأصدقائه وكل من التقاه منذ مولده كتابا مفتوحا لوسائل الإعلام الأمريكية.. شخصيا كنت حزينا لأن الإعلام الأمريكى عاد يعزف من جديد سمفونية الإرهاب الإسلامى، وأعاد تذكير الأمريكيين بالثلاثاء الأسود..
على مدار الساعة أصبحت صور فيصل شاه تغرق الصحف والمجلات والبرامج التليفزيونية مستخدمين صورة استعداد الطائرة ومحاولات هروبه إلى الإمارات لتعميق الشكوك فى نوايا المسلمين حتى ولو كانوا يتمتعون بالجنسية الأمريكية مثل فيصل شاه بطل عملية "تايم اسكوير".. لا أنكر أن الحادث خطير للغاية خاصة أن هذا الميدان أكثر ميادين العالم ازدحاما، ويقال إن 100 ألف شخص يمرون منه يوميا وإن انفجار السيارة الملغومة فيه كان بمثابة كارثة إنسانية فظيعة، لكن المدهش أن الإعلام الأمريكى كان متسرعا فى توجيه وإلصاق التهمة بالشاب الباكستانى المسلم، بينما كل ما حدث هو الاشتباه فقط به وإحالته للمحاكمة فمن غير المستبعد أن يكون مُدبر الحادث مهوسا أمريكيا على غرار حادث «أوكلاهوما سيتى» الإرهابى عام 1995..
شعرت لوهلة أن هناك علاقة ما تربط بين توجهات أوباما وانفتاحه على المسلمين وإعلانه إلغاء استخدام مصطلح الإرهاب الإسلامى من قاموس البيت الأبيض وبين حادث "تايم اسكوير".. مولد المؤتمر انفض وأصبحت الآن متفرغا للتعرف على الوجه الآخر لأمريكا..
* رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة