السعودية تطالب شركات السياحة المصرية بسيرة ذاتية للمعتمر..السطر السابق هو عنوان لخبر نشرته الصحف المصرية مضمونه يمكن تلخيصه فى أن الوكلاء السعوديين طالبوا شركات السياحة المصرية المنظمة لرحلات العمرة بضرورة إلزام المعتمر المصرى بتقديم سيرة ذاتيه عنه، بهدف المفاضلة واستبعاد غير اللائقين من الحصول على التأشيرة.
باختصار.. الجماعة فى السعودية قرروا عمل كشف هيئة لكل مصرى يرغب فى أداء مناسك العمرة، وأنت طبعا أدرى منى كثيرا بالخلفية الاجتماعية والأخلاقية لمصطلح «كشف الهيئة»، وتدرك أكثر منى أن كل من يملك حق تحديد من اللائق ومن غير اللائق هو بالتأكيد الأقوى وصاحب الكلمة العليا.
الخبر- باختصار شديد- مستفز، ويمثل حلقة جديدة فى مسلسل إهدار كرامة المصريين فى الداخل والخارج. فالمعنى الواضح للكلام أن السعودية تصنف المواطنين المصريين إلى زوار مرغوب فيهم، وزوار لا تتشرف المملكة باستقبالهم.. زوار غير لائقين لنيل شرف زيارة الأراضى المقدسة، وزوار سيرتهم الذاتية تتوافق مع الهوى السعودى، وتُفتح لهم أبواب زيارة البيت الحرام الذى لم يغلقه الله فى وجه أحد.
ولكن هل من الممكن أن تقول الأشياء الكامنة بين سطور الخبر أو بين سطور القرار السعودى كلاما آخر غير ذلك الذى يقوله الكلام الواضح عن إهانة المصريين والتعنت السعودى؟!.. أعتقد نعم، وما بين سطور هذا الخبر الذى يطالب المصريين بتقديم سيرة ذاتية قبل السفر لأداء مناسك العمرة، يؤكد أن إهانة مصر وإهدار كرامة المصريين يبدآن للأسف من عند أهل مصر أنفسهم.
فالقرار السعودى جاء على خلفية زيادة أعداد المتخلفين بعد أداء العمرة، أو بمعنى أوضح زيادة أعداد المصريين الذين يهربون ويختفون بعد انتهاء فترة العمرة، ليبقوا بشكل غير شرعى، بهدف اللحاق بموسم الحج أو البحث عن عمل.
حينما تسمع هذه الحجة، لابد ألا تلوم الوكلاء السعوديين الذين طالبوا بتعميم فكرة السيرة الذاتية، فإذا كنا فى مصر نتكلم عن حق السيادة والحفاظ على البلد من المتسللين والهاربين والمقيمين بشكل غير شرعى، فمن حق السعودية أن تفعل ذلك أيضا، وبالتالى فإن أى هجوم من جانب شركات السياحة المصرية على قرار السيرة الذاتية باستخدام كرامة مصر والمواطن المصرى، سيعتبر محاولة سخيفة للتجارة بالوطن من قبل هذه الشركات.
قرار السيرة الذاتية لا يكشف فقط عن حالة الفهلوة التى يعتمدها المصريون مبدأ، لدرجة أنهم لا يرون أى خطأ فى فكرة الهروب والإقامة بشكل غير شرعى من أجل أداء مناسك الحج الذى يؤديه الناس بالأساس للتطهر من الذنوب، ومن كل ما هو غير شرعى، بل يكشف أيضا عن سبب حقيقى من ضمن الأسباب التى أصبحت كرامة المصريين بسببها مهانة ومهدرة، وهو المواطن المصرى نفسه، أو بعض المواطنين الذين تخيلوا أن أقرب طريق لصناعة الثروة فى الغربة هو تقبيل يد الكفيل، وطأطأة الرأس أمام أهل الخليج، وجعل خدهم مداسا لأولياء نعمتهم هناك. إن ما نسمعه من قصص عن حال المصريين فى دول الخليج، وكيف يذلون أنفسهم من أجل ريال زيادة أو دينار مكافأة، أو كيف يتغاضون عن إهانات متعمدة لكرامتهم وكرامة وطنهم من أجل الاستمرار فى وظيفة أو نيل رضا صاحب العمل.. هذه القصص التى سمعت أنت منها المئات من أصدقائك العائدين من الخليج، وغيرها من الحواديت المخجلة، ليست للتسلية بقدر ما هى دعوة مبطنة لإعادة قراءة الشخصية المصرية التى تراجعت الكرامة إلى ذيل قائمة أجندتها الخاصة، مقابل تقدم رهيب لكل ما هو مادى، حتى لو كان على حساب أشياء أخرى كانت مقدسة فى سنوات ماضية اسمها الشرف والعزة والرجولة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة