◄◄ الـ «دى جى دى» تكنولوجيا جديدة تسمح للآباء والأمهات بتحديد نوع الجنين سواء كان ذكراً أو أنثى
◄◄ مجمع البحوث الإسلامية أجاز ها ووضع لها عدة شروط.. وفتاوى أخرى أجازتها فى حالة واحدة هى تفادى الأمراض الوراثية
«لما قالوا دا ولد.. إتشد حيلى واتسند.. لما قالوا دى بنيّة.. اتهدت الدنيا عليّه».. والحكاية باختصار هى أن الإنسان «ما يملاش عينه غير التراب»، فهو يقدم على الزواج ربما فقط من أجل «الخلفة» وحين يرزقه الله بها، وتحديداً بالبنات، يبدأ فى التذمر ومن ثم يخيم الخراب على البيوت، وتنهار الأسر. فهناك من يريد ولداً «يخاوى البنات ويتلقى العزاء»، وهناك من يريد بنتاً «تكون حبيبة أمها ونن عين أبوها».. وقبلاً تعلقت آمال الآباء والأمهات بالله أولاً، ثم ما لبثت هذه الآمال أن تتعلق بالعلم من أجل إنجاب الذكور، خصوصاً أن العلم يتيح الآن اختيار جنس المولود، وهو ما يعرف بتكنولوجيا الـ«دى جى دى» التى وجدت أولاً لتفادى الأمراض الوراثية، وثانياً من أجل فض الاشتباكات العائلية الناتجة عن إنجاب نوع واحد من الذكور أو الإناث.
ومنذ فترة قليلة أكدت إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وجود عشرة آلاف حالة طلاق فى مصر بسبب إنجاب البنات، وأشارت إلى أن حالات الطلاق تزيد فى محافظات الوجه القبلى بنسبة 15%. لتجىء التكنولوجيا الجديدة وكأنها ستحمل حلا سحريا لوقف تزايد معدلات الطلاق بسبب ولادة البنات، والتكنولوجيا الجديدة أحدثت جدلاً فى الأوساط الطبية والفقهية، خاصة بعد أن أجاز مجمع البحوث الإسلامية هذا الاختيار ولكن بشروط وضوابط محددة، فى إشارته إلى أنه من المفيد الحصول على مطلوب الإنسان من الأولاد والذرية وغيرها من نعم الله. كما أصدر بعض الفقهاء، ومن بينهم الدكتور يوسف القرضاوى والشيخ نصر فريد واصل مفتى مصر السابق، بياناً أجازوا فيه اختيار جنس الجنين، على أن يكون فى أضيق الحدود، وبشرط وجود حاجة ماسة وفى نطاق الفردية، لا أن يصبح سياسة عامة.
على جانب آخر قدمت النائبة ابتسام حبيب، عضو مجلس الشعب، مشروع قانون يجرم الاختيار إلا فى حالة تفادى الأمراض الوراثية، ويجرم أيضاً عملية الرحم المستأجر، بعد أن نمى إلى علمها أن هذه العمليات تجرى فى مصر على نطاق سرى للغاية.
الأمر نفسه تؤكده الدكتورة رجاء منصور، عضو الهيئة العالمية لمراقبة الإخصاب الطبى والمتخصصة فى مجال أطفال الأنابيب والحقن المجهرى، التى ترفض رفضاً قاطعاً إجراء اختيار جنس المولود إلا لتفادى الأمراض الوراثية المرتبطة بنوع جنس الجنين، وحسب ما يقرره طبيب ذو علم رفيع فى المجال، وتقول: نعمل حتى الآن بلوائح وقوانين صارمة، وننتظر إصدار قانون ينظم عمليات أطفال الأنابيب، ودعيت من قبل الدكتور حمدى السيد، رئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب، لمناقشة بنود المشروع الجديد. وأشارت منصور إلى أن هذا الاختيار يحتاج إلى تكنولوجيا عالية لا تتوافر إلا بعدد قليل من المراكز فى مصر، مضيفة أنها متاحة فى الأردن والسعودية لكنها ممنوعة نهائياً فى إنجلترا وأمريكا، فى حين أنها تجرى فى الصين بكثرة حتى وصلت نسبة النقص فى الإناث إلى 5 ملايين، لأن الصينيين يضربون عرض الحائط بالأخلاق الطبية، ويقومون بإجهاض السيدات اللائى سينجبن إناثاً.
وتلفت د. منصور إلى أن الزوجين أحياناً ما يفضلان جنيناً بجنس معين، ولكن معظم الحالات يكون التفضيل للولد. مؤكدة أن الأزواج الذين لم يسبق لهم الإنجاب يريدون الحمل فى أى نوع، وأن الاختيار يوجد فقط لدى الأزواج الذين رزقوا بأولاد، ذكور فقط أو إناث فقط، وكثير من هؤلاء يفضلون الولد بحجة أنه سوف يتلقى عزاء أبويه، ويحمل اسم الأسرة ويمنع دخول أحد فى الميراث. وأشارت منصور إلى أنها لمست أيضاً تقديراً كبيراً من أزواج فى قرى ونجوع مصر للبنات. وتقول «إذا رجعنا بالذاكرة سنجد أن البنت حمل اسمها معانى بديعة أطلقها عليها الآباء مثل ست الدار، ست أبوها، سيدة، حلاوتهم، وردة، جميلة، زهرة، وغيرها من الأسماء الجميلة التى تعكس حب المصريين للبنات.
أما الدكتور مدحت عامر، أستاذ الذكورة والعقم بطب القاهرة، فيقول: منذ أن وجدت التقنية كنا نقوم بها لتفادى الأمراض الوراثية فقط، ولكن الفتوى الأخيرة أجازت الاختيار بطريقة فردية لحالات خاصة، مثل الزوج الذى رزق بثمانى بنات وأراد أن يجرى التجربة لإنجاب ولد. ويرى عامر أنه لا مانع فى هذا طالما أن الاختيار سيحقق له المطلوب من الأولاد والذرية، مشيراً إلى أن تقنية الاختيار أضافت السعادة لأسر كثيرة يتهددها الفشل نتيجة لموروثات اجتماعية وعادات قديمة.
ويرفض د. عامر إجراء اختيار جنس المولود للطفل الأول فى الأسرة. كما أنه لاحظ أن الرجال المدخنين بشراهة غالباً ما ينجبون البنات. «وعن الأمراض الوراثية التى أمكن تفاديها قبل نقل الجنين لرحم الأم يقول د.عامر: تم تشخيص حوالى 50 مرضاً وراثياً فى الأجنة، ومنها سيولة الدم وفقد السمع الوراثى وضمور العضلات والطفل المنغولى وأنيميا البحر المتوسط، وهى من أكثر الأمراض الوراثية شيوعاً فى مصر، حيث تبلغ نسبة حاملى المرض حوالى 9%. وأضاف أن نسب نجاح الحمل باستخدام تكنولوجيا الاختيار هى نفسها فى أطفال الأنابيب العادية، وتصل إلى 65% فى شريحة السن قبل الـ 35 عاماً.
كانت النائبة ابتسام حبيب، عضو مجلس الشعب، قدمت مشروعاً لتنظيم عمليات أطفال الأنابيب، والمشروع، كما تقول، يعطى الشرعية القانونية لهذه التجارب، وينظم عملها، فالمادة الأولى منه تشير إلى أن التجربة يجب أن تتم لزوجين بينهما حياة زوجية مستمرة، كما تحظر المادة الثانية اختيار جنس الجنين إلا لتفادى الأمراض الوراثية المرتبطة بنوع الجنين، وحظر الاستعانة ببويضة لامرأة أخرى غير الزوجة أو نطفة متبرع آخر غير الزوج، وهو ما يطلق عليه «الأرحام المستأجرة» وضرورة أن تتم هذه التجارب فى مراكز مرخصة من وزارة الصحة، ويكون لديها سجلات منتظمة للرجوع إليها مدى الحياة، كما يسن مشروع القانون عقوبات لمن يخالف ذلك.
ورداً على سؤال «اليوم السابع» عن المادة التى تتحدث عن «الأرحام المستأجرة»، وهو مصطلح لم يتعود المصريون على التعامل معه، قالت حبيب: العالم مفتوح أمام الجميع، وهناك الكثير من الجرائم حدثت وستحدث بدون تكييف قانونى لها، وبهذه المادة يمكننا أن نغلق الباب أمام ما يمكن حدوثه فى هذه التجارب مستقبلاً، خاصة وقد نمى إلى علمى أن البعض بدأ فى إجراء عمليات اختيار جنس الجنين على استحياء، وفى طور السرية والكتمان الشديدين حتى لأقرب المقربين.
الدكتور محمد رأفت عثمان، عميد كلية الشريعة والقانون السابق، يبدى رأيه فى مسألة اختيار جنس الجنين قائلاً: الخلية هى أصغر كائن حى، وتحمل 46 كروموسوماً، وهو عبارة عن أشياء فتيلية ملفوفة حول بعضها كالضفيرة داخل نواة الخلية، ولو تم فرد هذه الخيوط لتبين أن عليها آلاف الجينات، وهى حوامل الوراثة، التى تحمل لون الجلد والشعر الخ.
نصف هذه الكروموسومات يرثها الجنين من الأب والنصف الثانى من الأم، وبويضات الأم تحمل العلامة x والحيوان المنوى y، والخلية الجنسية سواء للأم أو الأب لا توجد بها الكروموسومات كاملة، وإنما كل منهما، أى البويضة والحيوان المنوى، يحتوى على 23 كروموسوماً فقط، فإذا تم اللقاء الزوجى تتكون من تخصيب البويضة خلية جديدة تحمل 46 كروموسوماً، وتبين علمياً أن نوع الجنين يرجع إلى نوع الكروموسوم الذى يحمله الحيوان المنوى، فإذا التقى الحيوان الذى يحمل x مع البويضة التى تحمل دائماً x كان الجنين أنثى، وإذا كان الحيوان المنوى الذى خصب البويضة y فإن الجنين يكون ذكراً بإرادة الله.
وعن الحكم الشرعى لاختيار جنس الجنين يقول الدكتور عثمان إنه لا يوجد فى الشرع ما يمنع اختيار جنس الجنين لأن القاعدة الشرعية تقول إن الأصل فى الأشياء النافعة الإباحة ما لم يرد تحريم، وفى هذه الحالة لا يوجد تحريم، فضلاً عن أن نبى الله زكريا عليه السلام طلب من الله أن يرزقه بولد، كما بين ذلك القرآن الكريم فى الآيتين الرابعة والخامسة من سورة مريم. ومعلوم أن كل ما جاز فعله جاز الدعاء به وطلبه من الله عز وجل.
وعما يمكنه أن يحدثه هذا الاختيار من خلل فى التوازن البشرى يقول د.عثمان: إن التوازن أمر فطرى فى العائلات، فمعظم الأسر ترغب فى التنويع بين الإناث والذكور، وكم من العائلات لديهم الذكور ويتمنون الإناث والعكس. أما الدكتور محمد عبدالحميد شاهين، أستاذ علم الأجنة بجامعة عين شمس وأمين اللجنة المصرية للأخلاقيات الحيوية، فيقول: إن تحديد جنس الجنين ليس به أية مشكلة لأن التحديد يمكن فى الشهر الرابع من الحمل، سواء ذكراً أو أنثى، إنما الجدل يدور حول اختيار جنس الجنين قبل نقله لرحم الأم، فهناك من أجازوا الاختيار شرعاً ولكن فى أضيق الحدود.
لمعلوماتك...
◄ 58 مركزاً طبياً فى مصر لإجراء عمليات اختيار جنس الجنين
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة