خالد صلاح

لا تؤمموا البلد بالكامل للحزب الوطنى .. عبث اسمه مقاطعة الانتخابات البرلمانية

الأربعاء، 21 يوليو 2010 11:58 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التحية واجبة للدكتور السيد البدوى، رئيس حزب الوفد، لأنه لم ينسق إلى هذه «الهرتلة» الفكرية المتواصلة التى تعتبر مقاطعة الانتخابات ((عقابا للدولة والنظام السياسى))، والتحية واجبة لرئيس الوفد الذى لم ينجرف إلى حيث المزايدات الرخيصة بأن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية ليست سوى دعم للحزب الوطنى، وأن المقاطعة كما يتوهم البعض «تفضح أداء السلطة فى تزوير الانتخابات وتزييف إرادة الناخبين»، الدكتور البدوى يرسخ بهذه الصلابة مكانته كرجل يؤمن باستراتيجية التغيير على أرضية من الفهم الأكثر عمقا لطبيعة اللعبة السياسية فى مصر.

كل هؤلاء الذين يطالبون بمقاطعة الانتخابات يحكمون علينا بالمزيد من الخضوع والتراخى والسلبية، فالمقاطعة لم تثمر شيئا لهؤلاء الذين اعتصموا بها خلال دورات انتخابية سابقة، فى حين أدت المشاركة الفعالة من التيارات السياسية المختلفة إلى إثراء مجلس الشعب، وفضح ملفات فساد متعددة، وتشديد الرقابة على الحكومة والأجهزة التنفيذية، بدلا من أن يتم تأميم السلطتين التنفيذية والتشريعية لصالح حزب واحد، هو الحزب الوطنى.

المشاركة، حتى مع التزوير الفاضح أحيانا أو المستتر أحيانا أخرى، أثمرت لنا نوابا شجعانا أزعجوا السلطة، وأقلقوا نوم الحكومة، وحركوا المياه الراكدة تحت قبة مجلس الشعب، نوابا من عينة علاء عبدالمنعم، وجمال زهران، وسعد عبود، ومصطفى بكرى، وحمدين صباحى، ومحمود أباظة، ومحمد مصطفى شردى، وهذه النخبة من النواب فرضت إيقاعا على أداء مجلس الشعب أدى إلى تعديلات فى سلوك كتلة الإخوان المسلمين التى برز منها عدد من النواب مارسوا دورا وطنيا فاعلا بعيدا عن الاشتباكات الغوغائية عديمة الجدوى والمضمون التى سادت فى بداية الدورة البرلمانية، وهذه النخبة من النواب أيضا فرضت إيقاعا على نواب الحزب الوطنى الذين تملكتهم الغيرة من أن ينعزلوا عن الناس حين يباركون الحكومة فى كل موقف ومع كل قرار بلا نقاش أو محاسبة، فسارع عدد كبير من هؤلاء النواب إلى ممارسة أدوار برلمانية فريدة، كان من بينهم النائب أحمد أبوحجى، وهشام مصطفى خليل، وشيرين أحمد فؤاد، والدكتور جمال الزينى، وآخرون من نواب الحزب الذين اشتبكوا مع الوزراء وحاسبوهم، وساندوا المعارضة والمستقلين فى مواقف شعبية لافتة للانتباه.

المشاركة مع احتمالات التزوير هى أفضل وأروع من الاعتزال بلا معنى، ومن تغييب الصوت المعارض بلا فائدة، والمشاركة مع احتمالات التزوير تساهم فى اتساع رقعة المحاسبة للحكومة وتشجيع الناس على دعم حركة التغيير والتطور، بدلا من تراكم الهموم والإحباطات وانعدام الأمل إلى الحد الذى يمكن أن يدفع البلد للانفجار، أو يمنح أصحاب الخلايا السرية والعمليات المسلحة فرصة للحراك بين صفوف الناس، لتعود عجلة العنف والدم والخراب لتنهش بلادنا من جديد.

أنت وأنا نريد التغيير حتما وقطعا، لكننى لا أريدك أن تستعجله كثيرا إلى الحد الذى يملأ قلبك باليأس فتصدق أن عدم المشاركة هو العقاب الأمثل للسلطة السياسية، أريدك فقط أن تنظر إلى ما جرى فى مصر خلال السنوات الخمس الماضية منذ مطلع عام 2005 حتى الآن لتعرف أن المشاركة (مع احتمالات التزوير أو حتى مع تحققه فى بعض الدوائر) كانت جسرا نقلنا إلى مربع آخر فى رحلة الإصلاح السياسى فى مصر، فمن كان يصدق أن الحزب الوطنى يمكنه أن يهرول على هذا النحو إلى التخلص من العناصر الفاسدة فى صفوفه، قبل أن تتوجه موجات الغضب إلى قلبه مباشرة، ومن كان يصدق أن يتحرك العمال والموظفون فى الشوارع مطالبين بحقوقهم الشرعية أمام مجلس الشعب وأمام مقر الحكومة، أو فى مواجهة المحافظين فى شمال مصر وجنوبها، ومن كان يصدق أن كل هذه الملفات حول الفساد وإهدار المال سيطرحها نواب شجعان تحت قبة مجلس الشعب، ويناضلون من أجلها حتى تصل إلى النيابة العامة لتتحقق العدالة فى نهاية المدى.

أنت وأنا نريد التغيير، لكننى أرجوك أن تتفاءل ولا تنظر إلى ما فاتنا حتى اليوم بالمقارنة مع كل بلدان العالم التى تقفز نحو الديمقراطية والحريات بسرعات فائقة، انظر إلى ما حققه عدد قليل من النواب فى دورة شديدة القسوة، وانظر أيضا إلى ما حققته حركة كفاية فى ظروف بالغة الصعوبة، وانظر إلى الرصيد العمالى والنقابى البديع الذى تصدى له المضربون والمعتصمون خلال السنوات الماضية، وانظر إلى مساحة التطور والمشاركة الفاعلة التى تشهدها الصحافة المستقلة فى مصر، وكيف أثرت بالتأكيد على الصحافة القومية، انظر إلى كل ذلك وتشجع على المشاركة، أرجوك، وانظر إلى كل ذلك وارفض هؤلاء الذين يتاجرون بالشعارات ويدعوننا إلى المقاطعة.. أرجوك.

نحن تحركنا خطوات إلى الأمام رغما عن أنف الجميع، صحيح أن من حقنا أن نستعجل الإصلاح الشامل، لكن الصحيح أيضا أن مقاطعة الانتخابات البرلمانية ستلقى بنا سنوات إلى الوراء بلا معنى، وستطيح بكل ما أنجزه هؤلاء النواب المخلصون والقيادات السياسية الوطنية خلال السنوات الخمس الماضية.

المسألة بكاملها ليست حربا يجب أن نسحق فيها خصما ما، هو الدولة أو السلطة السياسية أو حتى الحزب الوطنى، ولكن الأصوب أنها معركة إصلاحية شاملة يجب أن نخوضها جميعا بخطوات متزنة وبروح متفائلة دون أن نلقى ببلادنا إلى التهلكة، ودون أن تسود بيننا مشاعر العداوة التى تهددنا بانقلابات قد يدفع ثمنها كل بيت فى مصر.

لذلك كله أقول لك إن المشاركة (حتى مع احتمالات التزوير) تحملنا خطوة إلى الأمام فى هذه المسيرة العنيدة، أما المقاطعة الكاملة كما يدعو بعض تجار السياسة فلا ثمار لها سوى قتل الأمل بين الناس، وتغييب كل الفرص للمزيد من المشاركة، ولذلك كله أيضا أتوجه بتحية واجبة إلى الدكتور السيد البدوى، المعارض ورجل الدولة أيضا، الذى لم يهرول إلى حيث الشعارات، ولم يخضع لهذا النوع من الابتزاز الفارغ عديم المضمون.

لا تؤمموا البلد بالكامل للحزب الوطنى.. المشاركة خيرٌ وأبقى.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة