نموذج مكتمل الأركان لكيفية إشعال الطائفية، وكيف يمكن للشك أن يملأ الصدور، بناء على شائعات، وكيف يمكن للبعض أن يلغى عقله، وينحاز إلى عواطف شائعات، والخطر أن تمتد هذه العقلية إلى الكهنة والقيادات الدينية التى يفترض أنها تمتلك الحقيقة وتتعامل مع واقع وليس مع شائعات.
نقول هذا بمناسبة اختفاء زوجة كاهن كنيسة ديرمواس بالمنيا، التى اختفت وتم اتهام مسلمين باختطافها، ثم ظهرت واتضح أن غيابها وراءه أسباب أو خلافات عائلية.
منذ اللحظة الأولى لإعلان اختفاء السيدة كاميليا زوجة الأب تادرس سمعان كاهن كنيسة مارجرجس بالمنيا، لم يتوقف الإخوة الأقباط للبحث عن أسباب أو خلافات يمكن أن تكون وراء غياب الزوجة، واتجهت التفسيرات فورا إلى الاختطاف والأسلمة، وتم استدعاء قصة وفاء قسطنطين، سارع مسيحيون وبينهم كهنة للتظاهر، وتم تحميل طرف مسلم المسئولية.
وبالرغم من وجود شهادات عن خلافات بين الكاهن وزوجته وجيران قالوا إنه كان يضربها، وشهادات من الكنيسة أن الزوجة مسيحية ملتزمة، يصعب أن تغير عقيدتها، كان المفروض أن يتم التعامل مع هذه الاحتمالات وليس فقط التركيز على فكرة الاختطاف.
واضح أن الزوج أخفى الأسباب الحقيقية ونفى وجود خلافات دون أن يدرك خطورة ذلك، خاصة وأن شهادات الأهالى والجيران أشارت إلى وجود خلافات أسرية متكررة، وكان الزوج يضرب زوجته، وربما يكون هذا السبب وراء اختفائها.
تم تجاهل هذا.. هناك من أشاع أن الزوجة المختفية أجرت مكالمة مع زميل لها يعمل مدرسا، وأنه يرجح أن يكون اختطفها، وكالعادة تحركت العديد من المنظمات القبطية فى الخارج والداخل لتدبج البيانات الحماسية وتسرد وقائع وأحداث وقصص عن الأسلمة واختفاء المسيحيات.
وروجت مجموعات قبطية لمعلومات على الإنترنت بأن جماعة إسلامية "دفعت الملايين من أجل الحصول على زوجة هذا الكاهن"، وتظاهر مئات الأقباط داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وكيفوا الأمر على أنه "اختطاف زوجة القس".
وشارك فى المظاهرة لأول مرة 50 كاهنا من داخل الكنيسة، هاجموا أجهزة الأمن، وحملوها مسئولية الأزمة، وهاجم القس مرقص راعى كنيسة دير مواس أجهزة الأمن وأعرب عن خشيته أن يكون مصيرها نفس مصير العشرات من الفتيات اللاتى اختفين ولم يعثر عليهن حتى الآن.
وبعد كل هذا التصعيد يتم العثور على الزوجة، ويتضح أنها تركت المنزل بإرادتها، وليس وراء الأمر اختطاف أو أسلمة، ولنكتشف إلى أين يمكن أن تأخذنا العقلية الطائفية، وكيف تم تخريب العقول بشكل خطر، وهو أمر لا يتعلق فقط بالمسيحيين، لكن بالجميع، فالشك الذى يزرعه البعض يثمر خطرا.
ولا نظن أن هؤلاء الذين بالغوا فى رد الفعل يمكن أن يعتذروا أو يراجعوا مواقفهم، ويستمعوا إلى الأصوات العاقلة داخل المسيحيين، والتى تحذر من المبالغات وتنفى وجود كل هذه القصص من الاختطاف والأسلمة،
وإن كنت لا أميل إلى التوسع فى نظريات المؤامرة، لكنى أظن أن هناك من المنظمات القبطية من يتخذ من الطائفية مصدرا للاتجار، ويبالغ كثيرا فى القصص بل ويخترع بعضها ويصيغها بما يناسب توجهاته.
لهذا كنت أشعر طوال الوقت أن اختفاء زوجة الكاهن أمر طبيعى، وربما كانت أمنية لدى ولدى كثيرين ممن يعتقدون أن الطائفى يرفض العقل ويعادى الدين بقصد أو بدون، ومثلما نعتبر أن المحرضين والفاعلين فى جريمة عيد الميلاد بنجع حمادى من منتجات الغل الطائفى، نظن أن الذين صنعوا الشائعات فى اختفاء زوجة كاهن دير مواس هم أيضا من نتاج هذا الغل.