لو لم تقع جريمة القتل ما عرفنا تفاصيل العلاقة بين المذيع إيهاب صلاح وزوجته السابقة القتيلة، وبصرف النظر عن الظالم والمظلوم فى القضية فإن الجريمة مثيرة، المتهم مذيع بالتلفزيون قال إنه تزوج بالضغط والمطاردة، وأنه كان أزهريا خجولا لا يعرف شيئا عن التعامل مع الجنس الآخر، وروى كيف داعبت فيه النجومية واللمعان، وضغطت عليه وطاردته ووصل الأمر إلى أن تهدده، وأنه تحت الضغط طلق زوجتين، وكيف أنها قضت على علاقاته العاطفية والزوجية، لكن رواية أقارب وشهود الزوجة قالوا إنه تزوجها برغبته وبعد قصة حب، وأنها كانت تراعيه وتحمى حياته، وتنفق عليه.. مع أحاديث عن مخدرات وخلافات سبقت المعركة الفاصلة.
هناك جوانب غامضة فى كل الروايات، وإن كان وقوع مثل هذه الجرائم يؤكد دوما أن البيوت أسرار، وأن تحول العلاقة الزوجية إلى صراع يقود إلى ان إفشاء كل الأسرار، وأصبح جزء من طقوس كل جريمة أن يسعى كل طرف لتبرئة نفسه وإدانة الآخر، فى الإعلام، وتدور المحاكمات والدفوع على الهواء وأمام الناس، رأينا هذا فى قضية سوزان تميم وهشام طلعت، وكيف تحولت إلى موضوع للحكى والثرثرة، والحكايات وأحيانا الأساطير، وفى قضية إيهاب وزوجته أصبح الإعلام شريكا، يقتسم الحكايات ويوزعها، لقد تقاتلا وقتل كل منهما الآخر.
ويبقى أننا أمام جريمة من بين عشرات الجرائم العائلية التى يقتل فيها الزوج زوجته أو الابن يقتل أبيه مثلما رأينا فى بنى سويف، عندما قتل الابن أبيه لأنه رفض مساعدته فى مصروفات الزواج. وفى القليوبية قتل شاب عمته لأنها رفضت إعطاءه ثمن المخدرات، وفى الإسكندرية قتل شاب شقيقه بالسيف.
وكل هذه الجرائم يكون فيها القتل بلا سبب مهم، أو فى لحظة انفعال، تنتهى بقتل يبدو سهلا، ولا يقتصر على فئة واحدة دون أخرى فالجرائم يرتكبها أغنياء وفقراء ومتوسطين ومستورين متعلمين وأميين، وبجانب القتل العائلى هناك جرائم تقع على أهون سبب من أجل جنيهات أو بسبب لعب عيال أو حتى مثل جريمة المسجل خطر الذى قتل عاملاً لمجرد أنه اصطدم بفراشة فرح فى بولاق.
المجتمع كله فقد صبره وقدرته على الحوار أو التفاهم والمناقشة أو المشاجرة وأحيانا الهزار ينتهى بجريمة قتل تزهق فيها روح أو أرواح، وأحيانا مجازر يسقط فيها عشرات ليست معارك ثأر جاهلى ولا معارك شرف، أو صراع على ملايين إنما فقط خلاف عادى، يخرج منه قاتل وقتيل، جرائم فراغ الصبر وضيق الصدر وفقدان الأمل.
كلما تزايدت جرائم القتل نتساءل ماذا جرى فى المجتمع، ويسارع البعض لاستخدام العبارة المحفوظة "إن مثل هذه الجرائم دخيلة على المجتمع المصرى"، مع أننا نرى ما يجرى ونشهد عليه ونقف أمامه متساءلين، نرى تضاعف العنف والسرقة بالإكراه والخطف، وإذا فسر الفقر بعض الجرائم فإنه يفشل فى تفسير جرائم يرتكبها مستورون أو أثرياء، وهى جرائم لم تعد دخيلة على المجتمع بل جزء منه ومن تعقيداته وطموحاته وأمراضه، مثل الطائفية والظلم والفقر وفقدان الأمل.
ربما علينا أن نعترف بأن الجريمة فى كل المجتمعات، لكن ما يثير القلق أن مثير منها يرتكبه قتلة بالمصادفة مثل إيهاب صلاح وغيره، بالصدفة وبلا تخطيط، وأحيانا يقتلون عمدا لأنهم لا يدركون الفرق بين الحياة والموت، جرائم لم تعد دخيلة بل ربما كنا نحن الدخلاء.