انتهت مسابقة كأس العالم فى الحادى عشر من يوليو الجارى بفوز باهت لإسبانيا على هولندا بهدف فى الوقت الإضافى بعد مباراة ولا أعنف و14 بطاقة صفراء وحمراء من الحكم الإنجليزى هوارد ويب.
وقررنا فى زاويتنا الأسبوعية أن نذهب إلى منحى مختلف فى الرأى.. وأن نتحدث عن الإرث الرائع الذى كسبه العالم من نهائيات المونديال الأكبر لكرة القدم 2010 فى جنوب أفريقيا.. وكان رأينا الأول أن إسبانيا ليست الفائز الأكبر من المونديال رغم إحرازها الكأس العالمية للمرة الأولى فى تاريخها.. وأشرنا إلى أن جنوب أفريقيا هى الفائز الأكبر والأول بما حققته من بنية تحتية عملاقة ومتطورة ودعاية عملاقة لاتقدر بمال.
وأضفنا أن الإرث الأروع للمونديال هوالإعلام الذى حقق ثورة هائلة كما وكيفا ومالا ووصولا وانتشارا وتأثيرا.
واليوم نفتح الملف الفنى الخاص بكرة القدم والتغييرات الجديدة فى خطط اللعبة وفى مفاهيمها.. ولعل اختفاء ظاهرة تأثير النجم الأوحد على الفريق وارتفاع أهمية العمل الجماعى هو الإرث الأهم والأقوى فى القيمة والمعنى على كرة القدم وعلى العالم بأسره.
لم يتمكن العبقرى الأرجنتينى ليونيل ميسى أحسن لاعب فى العالم من إنقاذ منتخب بلاده فى ربع النهائى وهو يخسر بقسوة من ألمانيا برباعية نظيفة.. وهكذا كان موقف الإنجليزى واين رونى فى كل مبارياته والبرتغالى كريستيانو رونالدو أمام ساحل العاج وإسبانيا ومثلهما البرازيلى كاكا ضد هولندا فى ربع النهائى.
وعلى العكس تمكن منتخب غانا المغمور والخالى من اللاعبين الأفذاذ من نوعية سوبرستار من شق طريقه باقتدار من دور إلى دور على حساب الكبار صربيا وأستراليا والولايات المتحدة.. وكان قاب قوسين أو أدنى من العبور إلى المربع الذهبى.
ولا خلاف أن العمل الجماعى لمجموعة من المغمورين فى المنتخب الأوروجوانى كان وراء تأهلهم المتكرر وحصولهم على المركز الرابع.. والإنجاز الأفضل كان لألمانيا التى نزل مديرها الفنى يواكيم لوف بمتوسط أعمار لاعبيها إلى الخامسة والعشرين بعد أن كان قريبا من ثلاثين عاما فى النهائيات الماضية.. وأجهز الألمان على إنجلترا والأرجنتين وفازوا على أوروجواى وسجلوا 11 هدفا فى المباريات الثلاثة واحتلوا المركز الثالث.
ولعل فى المنتخب الهولندى الخالى من الأفذاذ أيضا- ولا يمكننا اعتبار آرخين روبين أو فيسلى شنايدر من الأفذاذ، وكلاهما لم ينافس يوما على أى لقب من الألقاب الفردية الكبرى أوروبيا أو عالميا- نموذجا صارخا على أهمية ودور العمل الجماعى المحترم.. ويكفى أن نرى فريقا يضم اللاعبين ستوكلينبرج وفان دير فيل وماتيسين وهيتينجا واويير وفان برونك هورست ودى يونج وفان بوميل وديرك كويت وفان بيرسى.. كلهم من مستوى اللاعب العادى فى أوروبا ومع ذلك لم يخسروا فى 25 مباراة متتالية وفازوا فى 14 مباراة متتالية فى التصفيات والنهائيات حتى خسروا فى النهائى أمام إسبانيا.
واتفق المنتخبان الكبيران الإسبانى والهولندى الأول والثانى فى الترتيب فى أسلوب واحد فى كرة القدم.. نفذه المدربان الإسبانى ديل بوسكى والهولندى فان مارفيك دون اتفاق.. ولكنه أثبت نجاحا باهرا بدليل النتائج والترتيب.
التغيير الجذرى الذى أدخله ديل بوسكى وفان مارفيك يميل إلى الفريق الملتحم فى كرة القدم.. والمقصود هنا بالفريق الملتحم الفريق الذى يلعب فى مساحات أضيق ويستخدم لاعبوه الكرة أكثر من استخدامهم للمساحة.. وتتقارب فيه خطوط الفريق سواء عند تطبيق الضغط على الفريق المنافس أو حتى عند بدء الهجمات وإنهائها.
والأداء الملتحم يحتاج بالضرورة إمكانات فردية رفيعة المستوى عند اللاعبين (كل اللاعبين بلا استثناء) سواء على الصعيد البدنى لتنفيذ عمليات الاقتراب والضغط الجماعى والتحرك المشترك للفريق كأنه مجموعة واحدة.. أو على الصعيد المهارى والفنى فى القدرة الفائقة على الاستلام للكرة تحت ضغط المنافس ثم السيطرة عليها والحفاظ عليها من المنافس القريب جدا أو المراوغة الناجحة للتخلص من المنافس إذا هاجمه أو التحم به.. والرؤية السليمة لزملائه سواء القريب أو البعيد لتنفيذ أفضل عمليات التمرير وأكثرها دقة.. وتتطلب أيضا أعصابا هادئة وثقة كبيرة فى النفس للاستلام دون ذعر والتمرير دون خوف مع الدقة فى الحالتين لكيلا يفقد فريقه الكرة ويتحول إلى الدفاع.
الإسبان مع تشافى هرنانديز وأندريس إينيستا وتشابى ألونزو وديفيد فيا وبوسكيتس وكابديفيا وسرخيوراموس وبيدرو تمكنوا من تنفيذ أبرز عمليات الكرة الملتحمة فى أضيق المساحات وأجبروا منافسيهم على الانكماش والتراجع بل الخوف والدفاع.. وأكدوا أن كرة القدم تعود إلى سابق عهدها فى أهمية المهارات الفردية الخاصة لكل اللاعبين فى الاستلام والاستحواذ والتمرير والمراوغة والرؤية والتحرك والتصويب.
كأس العالم 2010 أوصت فى تقريرها الفنى غير المكتوب بعدم اختيار اللاعب القوى اللائق بدنيا والنشيط إلا إذا كان قادرا على تنفيذ الجزء المهارى.. واللاعب الأقل حركة وعدوا والأكثر إنتاجا ومهارة هو الأهم إذا نفذ متطلبات مدربه فى التحركات والضغط والرقابة.
بقيت الإشارة إلى أن التحكيم فى كل مكان وزمان سيبقى مرهونا بأخطاء البشر.
وعلينا تقبلها بصدر رحب ودون اتهامات أو التفكير فى مؤامرات.
انتهى المونديال وإرثه.
وموعدنا بعد أربع سنوات.
أمد الله فى أعماركم وأعمارنا.. وإلى اللقاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة