باقى أقل من نصف شهر على رمضان ومصر مازالت "قرعة"، الشهر الكريم على الأبواب ولم تحتضن البلكونات الفانوس المعتاد بتاع كل سنة، حتى البلكونات التى أسعدها الحظ بذلك كانت فوانيسها عادية وتقليدية ومملة وعليها تراب المخزن الذى كانت فيه منذ العام الماضى، طبعا لا أنكر أن إعلانات المسلسلات والتافه من البرامج والكثير والمختلف من الياميش تنتشر فى كل مكان وتخبرك فى كل ثانية أن رمضان قادم.. ولكن الأمر لم يكن يسير على هذا النحو منذ 15 سنة وتحديدا حينما كنت طفلا أشعر بفرحة رمضان قبل قدومه بشهر وأشعر بما يمنحه للحياة من أجواء غريبة فى النصف الثانى من شعبان.
شهر الصيام يقرع أجراس حياتنا ولم نر الشباب المصرى الجدع يمارس هوايته فى تركيب الزينات وقصاقيص الورق الرمضانية فى شوارع الحوارى الشعبية الضيقة، ومن أسفل أقدامهم التى تعلو السلالم الخشبية المتهالكة من أجل إنارة شارع لا يرى النور والنظافة إلا حينما يأتى رمضان الكريم يقف أطفال صغار بفوانيس أصبحت بلا طعم بعدما جعلوا سعد الصغير يغنى داخلها بدلا من "وحوى ياوحوى" وهم يحلمون بذلك اليوم الذى يصعدون فيه السلم وينالون شرف تعليق زينة رمضان.
رمضان اقترب بشدة، وباروكة الزينات التى كانت تكسو الشوارع المصرية بجو من البهجة والفرح ليست موجودة، مصر مازالت "قرعة" لأن الناس معندهاش نفس، أو ربما لأن جيوبهم معندهاش فلوس، ولم يبق لرمضان سوى الخيم التى تضم سهرات رجال الأعمال ورجال السلطة وما يصاحبهما من فنانين ولاعبى كرة وبعض من أبناء المحروسة التى مازالت جيوبهم قادرة على الإنفاق.. بس ده برضه مش رمضان.
رمضان هو ذلك الفانوس الذى يزغرد من بلكونة الموظف الغلبان الذى ينتفض قلبه بالسعادة وعيون أولاده بالفرح وهو يستعد لأن يربط الحبل الذى سيتدلى منه نور جديد يبعث بعض الأمل والفرحة فى قلوب أشقاها التعب طوال سنة لم ترحم أيامها حاجتهم ولا قسوة قلة حيلتهم، رمضان هو تلك الأحبال التى تتدلى بأوراق صفحات كشكول المدرسة بعد أن حولها مقص أجمل بنت فى الحارة إلى أشكال باسمة تمنحك شعورا بالراحة وهى تتراقص مع نسمات هواء الفجر الذى تنتظر أقفاصنا الصدرية الشهر الكريم من أجل احتضانها، رمضان هو انتظارك لطرقات الباب الخفيفة الذى ما إن تفتحه حتى تجد ابتسامة طفل من أبناء الجيران تواجهك لتخبرك أنه فى حاجة إلى 2 جنيه من أجل زينة وإنارة رمضان، هكذا يسمونها وهكذا يبذلون قصارى جهدهم فى صناعتها.
أيام الرحمة العشرة على الأبواب ولم نر واحدا من المسئولين قد تطهر استعدادا لاستقبالها، لم تكف ألسنتهم عن الكذب ولم تكف صحفهم عن نشر التصريحات النصابة وأيديهم مازالت تبحث عن مسار جديد للوصول إلى جيب المواطن الغلبان وتنظيفه كما الصينى بعد غسيله، أيام الرحمة العشرة قادمة ولم يشعر بريحها الطيبة واحد من أولئك الذين يستمتعون بذل المواطن الذى لم يستطع أن يشترى كيلو بلح لا اسم له ولا شهادة ميلاد حتى، ناظرا للبلح الذى يحمل اسم نانسى عجرم كما ينظر إلى إمكانية وصوله للقمر.
أيام قليلة ستجرى مثلما يجرى القطار التوربينى ويأتى رمضان ومع ذلك لا شىء من تلك الأشياء المفرحة التى اعتدنا أن نستقبل رمضان بها قد اتخذ مكانه الطبيعى، الناس فعلا معندهاش نفس تفرح، والساقية التى تدور وهم بداخلها لا ترحم، وربنا يسامح صاحب الساقية، ويا رمضان لا تكن كريما عليه أبدا!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة