أنت بالطبع تعرف حدوتة الأذان الموحد، تلك المعركة التى يخوضها بحماس السيد وزير الأوقاف حمدى زقزوق منذ سنوات بلا كلل ولا ملل، وكأن مشاكل وزارته كلها توقفت عند تلك اللحظة الزمنية التى تمتلئ فيها سماء القاهرة بما تصدره ميكروفونات المساجد من أصوات المزعج منها أكثر من الهادئ والجميل أو حتى المعقول.
دعنى أخبرك أولا بأننى متضامن مع السيد الوزير فيما يخص مسألة الأصوات المزعجة التى يصدرها السادة مستغلو ميكروفونات المساجد من عمال النظافة وعابرى السبيل والبوابين وأنصاف المتعلمين وأصحاب الأحبال الصوتية الملخبطة، وكل من هب ودب وتصادف عبوره بجوار المسجد لحظة أذان أو إقامة صلاة، فيستولى على الميكروفون متخيلا أنه النقشبندى ويصرخ غير مبال بأن مئذنة المسجد تحيط بها ألف عمارة وعمارة بل إن ميكروفون المسجد نفسه قد يكون فى بلكونة واحدة من هذه العمارات دون أن يضع فى اعتباره أن فى تلك المنازل من هو مريض وعانى ساعات لكى يحصل على دقائق نوم قليلة، أو من هو على غير دين الإسلام ولم يخبرنا الإسلام بضرورة إجباره على أن يسمع ساعتين من التواشيح والدروس الدينية قبل صلاة الفجر أو يسمع درسا دينيا من إمام مسجد يهوى أن يخطب فى الناس مابين المغرب والعشاء ويدعو على النصارى وأهل الكتاب، وهو يعلم يقينا أن بالعمارة التى تجاور المسجد أسرا مسيحية.. فيما يخص هذا الأمر أنا متضامن تماما مع الوزير زقزوق ليس فقط لما أوردته من أسباب فى السطور السابقة، ولكن لأننى على يقين أنه لا أحد فى زحام الشوارع ومن الجالسين على المقاهى أو فى البيوت يستمع إلى كلمة واحدة من بين تلك الكلمات التى يصدرها شيخ المسجد للناس عبر الميكروفون، ليس فقط لأن أهل الشارع مشغولون فى أعمالهم ولكن لأن 90% من ميكروفونات المساجد بدائية وغير مسموعة وشوشرتها أكثر من نفعها، والفضائيات الدينية تبث موادها على مدار 24 ساعة.. يبقى شىء آخر فى مسألة ميكروفونات المساجد هذه، ألا وهى السيد وزير الأوقاف نفسه، فالرجل الذى منح ميكروفونات المساجد أغلب وقته واهتمامه أشبه بمن أراد أن يبنى الدور السادس فى عمارة لا أساس لها، فلو كان الدكتور زقزوق قد منح الدعاة وأئمة المساجد ربع الاهتمام الذى منحه للأذان الموحد، ولو كان أنفق عليهم مثلما أنفق على محاربة الميكروفونات، ولو كان اهتم بتحديث الخطاب الدينى وتطويره، لبذل جهدا أقل فى مسألة الأذان الموحد هذه، بل ولم يكن ليفكر فيها أبدا، لأن مساجد مصر وقتها كانت ستكون تحت قيادة أئمة ودعاة يعلمون ويؤمنون بأن عبادة الله لا علاقة لها بالميكروفونات، وعلو شأن وكلمة الإسلام لا علاقة لها بقوة الصرخة التى يطلقها المؤذن كأنه فى خناقة أو فى موقف ميكروباص..
السيد الوزير للأسف لم يفعل ذلك، ففى الوقت الذى أنفق فيه الملايين على مسألة الأذان الموحد والكثير من الشكليات، تجاهل مطالب الدعاة وسخر منها، ثم عايرهم بأن رواتبهم أصبحت 405 جنيهات واعتبر قيامه بزيادة مرتب 50 ألف داعية بمقدار 250 جنيها إنجازا لابد أن يعترفوا به فى زمن وصل فيه سعر علبة الكشرى إلى 10 جنيهات.
الدكتور زقزوق للأسف وقع فى الفخ الذى يُتهم المتطرفون دائما بالسقوط فيه، حينما اهتم بالطقوس ومسألة الميكروفون أكثر من أن يهتم بمن يمسكون هذا الميكروفون، حينما اعتبر أن معركته هى منع الصداع والإزعاج الذى يسببه الميكروفون بدلا من أن يحارب الجهل والتطرف الذى يصدره بعض رجال وزارته أو بعض المتسللين إلى المساجد التى لا تسيطر عليها وزارته إلى عقول الناس عبر هذا الميكروفون.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة