هذه دولة نائمة.. وبتشد كمان، شعبها آيل للسقوط مثل عمارتها تماما، ويسرق اللصوص أعز ما تملكه من آثار ولوحات نادرة فى عز الضهر، وتحرق النار تاريخها المعمارى وكأنها أعواد من الكبريت، وتتآكل مبانيها-الأثرى والسكنى- ثم تنهار فى لحظات وكأنها كانت بناء من ورق وقش.. دون أن تقلق هذه الكوارث منامها.
هذه دولة تعانى من تلف خلايا الإحساس، ودمار لخلايا المسئولية، تشتعل الحرائق وتنهار المبانى دون أن تهتز شعرة واحدة برأس مسئوليها سواء كانوا كبارا أم صغارا على اعتبار أن الخسائر إما تاريخية أو من اللحم الحى لأشلاء المواطنين النائمة أسفل أنقاض عمارة لوران ومساكن الدويقة وغيرها، وتلك أشياء لا تهم الحكومة، وإلا بماذا تفسر تكرار الحادث بنفس ملامحه وظروفه فى مختلف محافظات مصر مع الاحتفاظ بوجود فوارق فى حجم الخسائر والضحايا؟
تتكرر الحوادث وكأنها منسوخة بالكربون دون أن تتعلم الدولة كيف تتفاداها أو تتعامل معها رغم أنهم علمونا فى المدارس أن التكرار بيعلم الحمار.. مش بس الشطار.
الحريق الذى دمر عمارة الإسعاف الأثرية والعمارات التى سقطت فى فيصل وشبرا ودمياط فى أقل من شهر، ماحدث ليس مجرد نار كادت أن تصنع كارثة فى شارع رمسيس أحد أكثر شوارع مصر كثافة وازدحاما وليس مجرد حجارة وطوب وأعمدة تهاوت على رؤوس الغلابة من المواطنين.. ماحدث ويحدث دليل حى على عجز هذه الدولة عن حماية الحى والجماد فى هذه البلد.. ما حدث ويحدث إنذار بأن الكوارث التى يروح بسببها المئات من الضحايا والمليارات من الخسائر لن تتوقف طالما كانت الدولة بكل مؤسساتها غير قادرة على منعها أو حتى معالجة آثارها المادية والنفسية.
العمارات التى تسقط بالكوم والمبانى الأثرية التى تسرق بلا رقيب، والمبانى الجميلة والمصانع التى تأكلها نيران الحريق ليست مجرد حوادث قضاء وقدر، بل هى حلقة أولى من مسلسل كارثى حذرت منه أكثر من دراسة علمية أشهرها دراسة أعدها مجموعة من الباحثين بجامعة القاهرة سنة 2006، أكدت أن الخطر القادم على مصر يكمن فى مبانيها.. وقبل أن تسأل إزاى؟
دعنى أشرح لك ما تقصده الدراسة التى أشارت إلى أن الدولة غفلت طوال السنوات الماضية عن صيانة المبانى سواء كانت أثرية أو حكومية أو سكنية ومتابعة حالتها الأمنية من حيث عمرها الافتراضى، وتأمينها ضد حوادث السرقة والحرائق، لدرجة جعلت أكثر من 80% من مبانى مصر هدفا سهلا لأى انهيار أو حريق أو عملية سرقة، وحددت الدراسة أنه حتى عام 2006 كان بالقاهرة وحدها 55758 عقارا آيلا للسقوط وصدر بحقها قررات إزالة وترميم وتأمين لم يتم تنفيذ سوى 24% منها، وحتى ما تم تنفيذه لم يكن مطابقا لمواصفات الصيانة المتبعة فى بقية دول العالم، يعنى باختصار نحن أمام كارثة قد نشهد فصولها فى السنوات القادمة، سواء عبر حرائق تأكل الجماد والحى، أو عمليات سرقة لآثارنا وأموالنا، أو انهيارات تسوى طوابق العقارات بأرضها دون أن تترك لنا فرصة البحث عن ناجين.
الغريب أن مسلسل الكوارث بدأ منذ أعوام ونشط فى السنوات الثلاثة الأخيرة، ومع ذلك لم تتحرك الدولة حتى ولو عبر إعادة التفتيش على حنفيات مياه الإطفاء فى الشوارع أوالمبانى العريقة.
عموما النار واللصوص والشروخ التى تملأ جدران تلك العقارات عملوا اللى عليهم وحذروا وأنذروا وتركوا من الأشلاء والأرواح والدماء والخسائر ما يثبت جديتهم، ومع ذلك لم تكلف الدولة نفسها بأن تقوم من سريرها، لتغسل وجهها ثم تعود لكى تنام من تانى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة