لا أجدنى مدفوعا تحت نوازع شخصية للهجوم على وزير الصحة المصرى حاتم الجبلى، فليس بيننا ما يستوجب شخصنة الموضوع لا التخصص ولا الغرض، وإنما المرض الذى تفشى فى عهده، أو بشكل أكثر وضوحاً عدم اتخاذ إجراءات وقائية لحفظ الصحة العامة التى هى أولى واجبات وزارته ومهمته فيها.
بالعكس فالرجل من الناحية المهنية جدير بالمنصب، فمنذ تخرجه من كلية طب قصر العينى عام 75 وهو باحث بامتياز، سلك مهنة التدريس وعين معيداً وتدرج فى المناصب الجامعية حتى بلغ درجة الأستاذية فى الأشعة التشخيصية، كما أن جذوره الأسرية ترشحه لمنصبه بامتياز أيضاً فوالده وزير سابق للزراعة، يعنى بالبلدى عينه مليانة، غير أن المشكلات التى صادفت وجوده فى وزارة الصحة تفوق بكثير مثيلتها فى عهد الوزراء الذين سبقوه.
المشكلة برأيى أنه حاول إدارة قطاع الصحة فى مصر بنفس فهمه فى إدارة المشروعات الخاصة التى أقامها أو شارك فى تأسيسها وأبرزها على الإطلاق مركز «كايرو سكان» الذى عُد من أكبر مراكز الأشعة ليس فى مصر فحسب بل فى الشرق الأوسط، وحاز ثقة المرضى على اختلاف أحوالهم الاقتصادية، و«دار الفؤاد» ذلكم الصرح الطبى فى 6 أكتوبر، لكن عُرف عن الجبلى ممارسة «البزنسة» على نطاق واسع حسبما ترددت معلومات صحفية عن اشتراكه فى تأسيس شركة اسمها «يونيكاب» يتمركز نشاطها فى ترويج وضمان الاكتتاب فى الأوراق الرسمية، وأيضاً حسب زعم المصادر بيع شركات قطاع عام!! والترويج لبيعها وطبعاً قبض المقابل أى السمسرة!! هل يمكن أن يشعر الجبلى بآهات المواطن الفقير وهو يخصخص قطاع التأمين الصحى؟
كثيرة هى القضايا التى يمكن أن نثيرها والتى تكشف عن عمق الفشل فى قطاعات وزارة الصحة مهما حشد له الحزب الوطنى من النواب الذين يضمنون عبوره أى جزاءات رادعة، فقد تحدث خبراء كثيرون عن إخفاقات وزارته فى مجال علاج مرضى التهاب الكبد الوبائى «C» الذى ارتفع لحوالى 9 ملايين مريض ، وتصاعُد عدد حالات الإصابة بالسرطان والسكرى، وغيرهما، وتدنى رواتب الأطباء، وقصور الخدمات الصحية فى القرى النائية بربوع مصر، لكن تبقى قضية تراجع الخدمة فى «معهد الأورام» منذ انهيار مبانيه حتى الآن تحتاج لإلقاء الضوء حولها، نظراً لأهمية الموضوع وضرورة العناية به خدمة للمرضى الفقراء الذين يعانون من الأمراض والأورام السرطانية، واللافت أن إدارة معهد الأورام يشغلها استمرار أفرادها فى أماكنهم أكثر من العناية بالمرضى أو إصلاح الأمور داخل المعهد.
المبنى الجنوبى الذى يتكون من سبعة طوابق أغلقت غرف العمليات بالدور الثانى به لأن المبنى معرض للانهيار!! يزيد العجب إذا علمنا أنه ورد خطاب من جامعة القاهرة يفيد أن المبنى الشمالى معرض للانهيار مرة أخرى!! رغم أن المبنى ذاته قد تم تسليمه عام 94 بعد الإنشاءات التى تمت له، والغريب أن الشركة التى باشرت إنشاءه، وهى الشركة العربية، تم حلها، وبناء على هذا تم إغلاق المبنى الشمالى وتوقفت العمليات به!!
إدارة المعهد قامت بتأجير غرفتين لإجراء العمليات بمستشفى الطلبة بقيمة إيجارية 2000 ج شهرياً، وقامت بتأجير مثلها فى مستشفى المنيل الجامعى ويجرى الحساب فيها بتقدير خاص!! قام رئيس الجامعة الدكتور حسام كامل وبرفقته الدكتور محمود شريف بافتتاح دور العمليات فى المبنى الجنوبى المغلق من عام 2000 فى شهر أغسطس الحالى، بينما المبنى الشمالى الجديد يعانى فلا هو انهد ولا هو ترمم، توقفت قدرته عند قطع 50 تذكرة مريض يوميا فى حين كانت طاقته الأصلية أكثر من 150 تذكرة مريض يومياً فيما سبق.
يعانى معهد الأورام تدهور أوضاعه بشكل عام، فالنواب غير مقيمين به وهو أمر طبيعى لحالة المبانى المتدهورة المعرضة للانهيار ونظرا لحالته المتدهورة ارتفعت نسبة الوفيات لأكثر من 50 %.
أبرز ملامح الفساد فى معهد الأورام تفشى المحسوبية فمثلاً رئيس أحد الأقسام تم تعيين ابنه طبيبا ثالثا لاستحالة تعيينه «نائب» ثم تم الإعلان عن شغل وظيفة مدرس مساعد متخصص فى المناظير وطبعاً تم تعيينه فى الوظيفة إياها.
لم تكن هذه الحالة الوحيدة، إنما تكررت من قبل مع نجل الدكتور «أ.أ» ونجل الدكتور «ح.م» حيث تم تعيينهما مدرسين رغم عدم توفر أحقية التعيين فى المعهد، هكذا تخبط غير عادى، وبلغ فساد الإدارة مبلغا، فالدكتور «أ.س» تم عمل لابنه دور ثان للنيابات وتم تعيينه وتمكن من الحصول على درجة الدكتوراه قبل كثيرين يسبقونه.
ومن أوجه الفساد أنه لا يوجد تدريب أو كورسات تعليمية للنواب، ويمكن وصف التعليم بأنه يتم بالصدفة، والنواب مظلومون، ففترة النيابة ثلاث سنوات قى الغالب الأعم يمكن أن تتم مدة النيابة كاملة دون أن يتمكن النائب من أن يباشر عملية جراحية واحدة، طبعا التبرير جاهز إزاء هذا التراجع.. حالة المعهد لا تسمح!! ورغم وجود ست وحدات جراحة كل وحدة منها لها رئيس، غير أنه لا يوجد نظام يحكم الوحدات الست ومن ثمّ كل رئيس وحدة يتحكم بها كأنها عزبة خاصة، وهكذا أيضا حال رسائل الدكتوراه، فالواقع أنه لا يوجد إشراف علمى من الجامعة على طلاب الدكتوراه حتى إن نسبة النجاح لسنوات مضت فى المعهد «لم ينجح أحد».
هذا فيض من غيض فى قطاع واحد من قطاعات مختلفة لم تتح لى المساحة المحددة لمقالى من مواصلة الرصد الذى سنكمله بالتأكيد فى مقالات ومواجهات قادمة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة