إياك أن تصدق من يقول لك إن تعيين أبناء الدائرة فى الوظائف الحكومية، أو تركيب مواسير الصرف الصحى فى الحارة التى تسكن بها، أو القرية التى تعيش فيها، أهم من الإصلاح السياسى
أنت وأنا نراقب اليوم كل هذه الوجوه على الساحة السياسية المتنافسة على مقاعد مجلس الشعب فى الانتخابات المرتقبة قبل نهاية هذا العام، ونتابع أيضا تلك الوجوه التى تستعد للمنافسة على مقعد الرئاسة قبل نهاية عام 2011، صحيح أننا سويا (أنت وأنا) لسنا سوى متفرجين من مقاعد مختلفة، بعضنا يراقب ويضحك، وبعضنا يراقب ويبكى، وبعضنا يراقب ويقول «حسبنا الله ونعم الوكيل»، لكن مقاعد المتفرجين لا يحظر فيها تبادل النصائح والإرشادات حول المرشح الذى نريده، والمرشح الذى لا ينبغى أن يجلس على مقعد نيابى أو رئاسى، ومقاعد المتفرجين لا تمنع فيها قراءة ملف الإرشادات العامة للناخبين من أمثالنا، وسواء كان صوتك كمتفرج له قيمة حقيقية فى انتخابات نزيهة، أو كان بلا قيمة على الإطلاق فى انتخابات غير نزيهة، فاسمح لى الآن أن أتقاسم معك بعض النصائح القليلة، ربما تنفعك فى دائرة انتخابية، أو أمام صندوق الاقتراع على كرسى الرئاسة، أو خلال جلوسك بالصدفة فى شادر انتخابى، أو ربما تعلمها لأولادك من بعدك للاستفادة بها فى زمن غير هذا الذى نعيشه اليوم.
إياك أن تصدق من يقول لك إن تعيين أبناء الدائرة فى الوظائف الحكومية، أو تركيب مواسير الصرف الصحى فى الحارة التى تسكن بها، أو القرية التى تعيش فيها، أهم من الإصلاح السياسى، فبسبب غياب الديمقراطية الحقيقية يعانى أبناؤك اليوم من البطالة، ويتسولون لقمة العيش، أو قرارات التعيين المضروبة، ثم يتم فصلهم بعد الانتخابات مباشرة، أو إذلالهم بعقود مؤقتة، وبسبب غياب الديمقراطية تعيش أنت وعائلتك حتى الآن بلا مواسير صرف صحى، وبلا مياه نظيفة فى بيتك.
إياك أن تنساق وراء شعار (اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش) وتذكر مثلا أن صحابة النبى صلى الله عليه وسلم تعرضوا للأذى من أهلهم وعشيرتهم فى قريش، وكان (اللى ما نعرفوش فى الحبشة) الملك النجاشى أحن عليهم وأرق وأكثر انحيازاً للعدل والخير.
إياك أن تنجرف وراء هؤلاء الذين يريدون إقناعك بأن صوتك فرصة للحصول على 500 جنيه، أو بطانيتين، أو شنط رمضان، وعليك أن تستثمر الفرصة بدلاً من الجرى وراء هؤلاء الذين يعارضون الحكومة، ولا يملكون ما يقدمونه لك من البلح والياميش وزجاجات الزيت، فأنت بذلك تعترف أن مصر كلها لا تساوى فى نظرك سوى 500 جنيه، وأن زجاجات الزيت، أهم عندك من نفسك، ومن عائلتك، ومن الوصول إلى حياة كريمة.
إياك أن تتعرض للإحباط وتنساق وراء التيار الجارف من حولك، فالبيه المأمور، أو حضرة العمدة، أو مدير المدرسة، أو دكتور الوحدة الصحية لا يفهمون أكثر منك ليجبروك على اختيارهم، كلهم موظفون ينفذون أوامر محددة لإقناعك بأنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان، ومن ثم يفرضون عليك مرشحاً يجيد تقديم الهدايا، أو يوافق على صرف المكافآت، أو لديه القدرة على تبوير قطعة أرض زراعية لتحوليها إلى بنزينة، أو بين يديه تراخيص البناء بالمخالفة على أراضى الدولة رغم أنف القانون، هم يقدمونك أنت وصوتك قربانا للباشا الكبير، ولا يصح أن تكون أنت بنفسك سلعة لمن يربح أكثر على قفاك.
إياك أن تصدق أن النواب المستقلين والمعارضين ليس لديهم برامج يقدمونها للبلد، ولا يملكون تنفيذ أى مشروع ينفع الناس، فمن الذى يمكن أن يحكم على أحد لم نمنحه الفرصة بعد، ثم أنت تعرف أن هؤلاء النواب نجحوا فى إزعاج الحكومة ومطاردتها بالرقابة ومحاسبتها قدر ما استطاعوا، ونجحوا أيضاً فى أن يجبروا قوًى فى الدولة على أن تغير مواقفها لمصلحة الناس، بدلاً من أن يتحول المجلس إلى صدى صوت للحكومة، دون أن نسمع صوتا يحاسب، أو استجواباً يصرخ، أو رجلا يقرع لنا الأجراس.
اسأل مرشحك المفضل.. ما هو رأيه فى بيع أراضى الدولة على المكشوف للكبار فقط؟ واسأله.. ماذا سيقول فى المجلس عن الشقق التى تبدأ من مليون وأربعمائة ألف جنيه فى صحراء مصر؟ واسأله عن جمع النواب بين وظائف الحكومة السخية وبين عضوية البرلمان؟ واسأله عن قانون محاكمة الوزراء؟ وعن تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات التى دخلت إلى الأدراج؟ وعن قرارات العلاج بالملايين للمحظوظين على نفقة الدولة؟ واسأله عن تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية؟ واسأله عن ضمانات نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ فإن وجدته جاهزا بالإجابة عن كل سؤال فلا تنتخبه أبداً، لأنه يخدعك بجد، أما إذا أسند ظهره إلى الحائط ورفع يديه إلى السماء وقال «حسبنا الله ونعم الوكيل» فسارع بإعطائه صوتك بلا تردد، لأنه يشبهك تماما، لا يعرف حلاً حقيقياً لكل هذه الكوارث، لكنه قرر أن يحاول من الداخل.
اسأل نفسك إنت عاوز مين يحكم مصر؟ واحد شبهك وعلى مقاسك، ولا باشا كبير هيفلسف الحكاية من جدورها، وأول ما يدخل المجلس هيكلمك عن العمل المرحلى، والظروف الصعبة، والمؤامرة الأجنبية على البلد، علشان كل حاجة تترمى بعد كده إلى أجل غير مسمى؟ فى الانتخابات اللى جاية عاوزين ناس شبهنا، وعلى قدنا، وبيحسوا بزعل الناس وألمهم، مش عاوزين ناس ياخدونا كلنا كوبرى علشان يكونوا جزءا من اللعبة الكبيرة.
بص.. أنا عارف إن كل النصائح دى مالهاش لازمة مع الطريقة اللى بتحصل بيها الانتخابات فى مصر.. بس على العموم افتكرها يمكن تنفعك.. أو تنفع ولادك من بعدك.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة