د. بليغ حمدى

اقرأ وربك الأكرم

السبت، 14 أغسطس 2010 08:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اعتاد النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يخلو بنفسه قبيل وقت النبوة بغار حراء، وكما تذكر كتب السيرة النبوية أن هذا كان فى شهر رمضان من كل عام، يطعم من جاءه من المساكين، وإذا قضى الرسول (صلى الله عليه وسلم) جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به الطواف بالكعبة، قبل أن يدخل بيته، حتى إذا كان الشهر المنتظر من السنة الفارقة الحاسمة، بل والفارقة فى تاريخ البشرية.

خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى حراء كما كان يفعل فى الأعوام المنصرمة قبل عامه هذا، حتى إذا كانت تلك الليلة الفارقة التى أكرمه الله فيها وأكرمنا معه برسالته، وكما ذكر ابن هشام فى سيرته عن أشرف الخلق "ورحم العباد بها".

جاءه جبريل (عليه السلام) بأمر الله تعالى، وبأمر منه، ويذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك فى حديثه، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "فجاءنى جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ، قل: ما اقرأ، قال: فغتنى به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى فقال: اقرأ، قال فقلت: ما اقرأ، قال: فغتنى به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى فقال: اقرأ: فقلت: ماذا اقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لى بمثل ما صنع بى، فقال: (اقرأ بسم ربك الذى خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذى علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم).

ولا شك أن ما حدث للرسول (صلى الله عليه وسلم) لأمر جلل بلا ريب، ما أظن لبشر سواه يستطيع أن يفيق من نومه فى مكان مظلم ذى طبيعة جبلية خاصة على ملاك من السماء، فما أثبت قلب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وما أشجعه وما أقواه.

ولاشك فى أن الخلوة التى أحبها رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) مع الذكر والعبادة هى التى أنارت قلبه، وكانت نوعاً من الإعداد الخاص، وتصفية للنفس من العلائق المادية البشرية، إلى جانب ما أولاه الله تبارك وتعالى من رعاية خاصة هى التى جعلته يستطيع التثبت لهذا الحادث الجلل فى تاريخ البشرية. وكما ذكرنا، إنه حادث ضخم بحقيقته، وضخم بدلالته، وضخم بآثاره البشرية جميعاً، وكما تؤكد كل كتابات السيرة النبوية أن هذا الحادث يعد أعظم لحظة مرت بهذه الأرض فى تاريخها الطويل. وإذا تأملنا هذا الحادث الجلل فى تاريخ البشرية، لوجدناه يقر حقيقة العلم، ويرفع مكانته، فأول كلمة تصل إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) من ربه هى الأمر بالقراءة، يقول تعالى: (اقرأ بسم ربك الذى خلق).

ويبدو أن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) قد أصيب بالرعب والخوف مما حدث له بتلك الليلة المباركة، ومما رآه وسمعه وأحس به، فما كان عليه سوى أنه أسرع إلى بيته حيث سيدة نساء العالمين السيدة خديجة بنت خويلد ( رضى الله عنها )، وهذا إن دل فإنما يدل على أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) لم يكن ينتظر النبوة كما يدعى المستشرقون والملاحدة، وهذا ما يؤكده قول الله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحنا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدى به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم * صراط الله الذى له ما فى السماوات وما فى الأرض ألا إلى الله تصير الأمور).

ولما رجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، دخل على السيدة خديجة (رضى الله عنها)، فقال: زملونى زملونى، فزملوه حتى ذهب عنه روع الحدث الجلل. فقال للسيدة خديجة ما حدث له، وأخبرها الخبر: " لقد خشيت على نفسى "، فقالت السيدة خديجة (رضى الله عنها) قولتها المأثورة والمشهورة والمحفوظة فى أذهاننا: "كلا والله ما يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق".

قالتها الفاضلة الشريفة العفيفة بفطرتها النقية، استقبلت ما ذكره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لها بكل هدوء وسكينة وثقة فى المتحدث. إن الناظر لسياق النص السابق يدرك سعة أفق وإدراك السيدة خديجة ( رضى الله عنها )، حيث ربطت السيدة الطاهرة بين صفات وخصال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبين ما سمعته ووعاه قلبها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

هى أول من آمن، بل أول من سارع بالإيمان بحسها النقى وفطرتها الطاهرة، وإن كان معظم من تناول سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يمرون على موقفها سريعاً، فإننا نراه من أجمل مواقف ووقائع السيرة النبوية، نعم أجمل وهذا ما توافر عند استقبال السيدة خديجة (رضى الله عنها) للرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) من مودة وسكينة وثقة ويقين بما يملكه زوجها (عليه الصلاة والسلام) من رصيد الأخلاق وفضائل الشمائل، لقد لخصت بكلماتها القليلة كمال الخصال المحمدية، وأرست قاعدة بأن من يملك مثل هذه الخصال لا ولن يتعرض أبداً لخزى أو ضيم.

لقد آمنت السيدة خديجة (رضى الله عنها) بزوجها رسولاً ونبياً، وضربت مثالاً حسناً، وصورة رائعة للزوجة الصالحة، فما أحوج الرجل بصفة عامة، والداعية بصفة خاصة إلى امرأة صالحة تسانده، وتؤازره، وتقف بجواره فى الشدائد وعندها، وتحثه على الخير وتدعم شمائله. ولحديث السيرة النبوية بقية.

* أكاديمى مصرى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة