عجيبة، دفع التلفزيون المصرى 360 مليون جنيه على مسلسلات غادة عبد الرازق ونادية الجندى، وشريف منير بينما تتفاوض المراكز البحثية على توفير 100 ألف دولار شهريا لدعم العلماء المشاركين فى تجربة "الانفجار الثانى" فى سويسرا.
مول التلفزيون برامج انتصار، ومنى، وبركات بـ 50 مليون فى رمضان، بينما مشاركة المصريين فى تجربة "النفق" السويسرى مهددة.. لقلة التمويل.
عام 1973 قال الفيزيائى الفرنسى اديموند دى بيرج إن العالم صار أحمقا، وإن البشر يزدادون حماقة، لذلك استبعد أن يقدم أحد على اختبار نظريته فى محاكاة الانفجار الكونى الأول الذى حدث وأنتج هذا العالم قبل مرور سنوات طويلة.
الرجل وقبل أن يموت قال إن قاعات السينما صارت أكثر زحمة من قاعات المحاضرات، وإن مشاكل طوابير الآيس كريم غطت على مشاكل البحث العلمى، ولما مات عام 1979 لم يمش فى جنازته إلا زملاءه القدامى، فى الوقت الذى زحف فيه المئات على مستشفى بلوس انجلوس حيث كانت ترقد الممثلة الإيطالية كلوديا كاردينالى تعانى من آلام "الزائدة الدودية"!!
كان لدى بيرج نظريات رهيبة فى تفسير نشأة الكون، لكن أحدا لم يهتم باختبارها إلا العام قبل الماضى.. صحيح كانوا تجمعا بسيطا من علماء الفيزياء الكونية فى سويسرا.. إلا أنها كانت بداية مبشرة.
أطلقوا على المشروع "التجربة السويسرية"، وطلبوا دعم العالم، بأن تساهم كل دولة بباحثيها، وجزء من تكاليف المشروع التى سوف تتعدى 22 مليار يورو.
ماذا سوف يفعلون؟
سيحاولون محاكاة الانفجار الكونى الأول، بالطريقة التى تكلم عنها الفرنسى دى بيرج، وسيطلقون فوتونات بسرعة الضوء فى نفق طوله 27 كيلومترا تحت الحدود الفرنسية السويسرية لتصطدم بأخرى فى الاتجاه المعاكس.
الغرض، إحداث انفجار كونى صناعى، لفك طلاسم "النشأة الأولى"، وحل لغز ظهور الإنسان والحيوان على سطح الأرض، وربما حل لغز ظهور كوكب الأرض نفسه.
"كريستان ساينس مونيتور" الجريدة الوحيدة التى تابعت التجربة بشغف، وانتقدت صمت العالم، ومعارضة معظم الهيئات البحثية الدولية لضخامة التلكفة.. دون نتائج مؤكدة!
ساينس مونيتور قالت إن معظم الدول المشاركة إما سحبت باحثيها، أو رفضت دفع نصيبها من التكاليف، ونشرت ساينس مونيتور صورة للعالم دى بيرج مؤخرا، وأعادت فيها عباراته بأن العالم صار أحمقا.
ففى فرنسا ينفقون مليارات على الموضة، وأرجل عارضات الأزياء سنويا. وفى الولايات المتحدة يصرفون الملايين يوميا على "السوسج" وصناعة أفلام سباق السيارات، وفى القاهرة يدفعون الملايين لبرامج 30 يوما، فى الوقت الذى لم يعرف المصريين المشاركين فى التجربة السويسرية الجهة التى سوف تمويل سفرهم إلى هناك حتى الآن.
كان دى بيرج عنده حق، فرغم تكنولوجيا العالم المبهرة، ومع ملايين فساتين مسلسلات نادية الجندى فى القاهرة، لابد ألا يكون مشروعا عالميا كتجربة الانفجار الكونى مهما.
لا جهد 30 عاما من النظريات والأبحاث مهم، ولا انتحار المسئولين عن التجربة على الورق عملا مدة 11 ألف يوما مما تعدون له ما يبرره!
علماء "المشروع السويسرى" مساكين، هم يرون أن 22 مليار يورو على مشروعهم ليس كثيراً، أحدهم ظهر على تلفزيونات أوروبا قبل شهرين وقال إن ميزانية السلاح الجديد للجيش الأمريكى أضعاف الرقم، وميزانية تجارة المخدرات فى أمريكا اللاتينية تفوق الـ 35 مليار فى العام الواحد، فى حين يستنشق العالم الكوكايين بما يزيد على 46 مليار دولار سنويا، وناشد الرجل العالم أن يهتم.. لكن تقول لمين؟
* مساعد رئيس تحرير جريدة روزاليوسف.