نصيحة أخوية.. إن لم تكن من رواد نادى الأصفار الستة، وإن لم يكن رصيدك فى البنوك قد تخطى حاجز المليون العاشر لا تقرأ هذه السطور، وإن قرأتها لا تأخذها بشكل شخصى.. فهذه السطور بها استفزاز قاتل..
الكلام هنا عن شقق سكنية تتجاوز مساحتها الـ100 متر بقليل، ومع ذلك أسعارها تقفز إلى ما بعد رقم الأصفار الستة، ذلك الرقم الحسابى الساحر الذى يمنح أصحابه لقب المليونيرات، الكلام هنا عن فيلات وشاليهات موجودة على أرض مصر تلك التى أصبح الباعة الجائلون فيها أكثر من المواطنين، وتضاعفت فى عشوائيتها عشش الصفيح وفى حواريها البيوت الآيلة للسقوط.. ومع ذلك ستجد أن أقل سعر لواحدة من هذه الفيلات أو الشاليهات يتجاوز بمنتهى البساطة المليون دولار.
من يشترى؟ ومن يبيع؟ ومن يراقب؟ ومن الضحية؟.. خلف علامات الاستفهام الأربع هذه تكمن المشكلة وإن كانت علامة الاستفهام الأولى الخاصة بالمشترى لا مشكلة فيها ولا أزمة بسببها إلا فيما يتعلق بالحقد والحسد، فالمشترى فى النهاية مليونير أو ملياردير رزقه الله من وسع ومن حقه أن يستمتع بما رزقه الله وبما جلبته مهارته وجهده فى العمل، ومن حقه أيضا أن يشعر بأن ملايينه تمنحه فرص للتميز والتفرد عن أولئك الغلابة من متوسطى الحال والمطحونين، هذا حقه الطبيعى واللهم لا حقد ولاحسد..
الأزمة إذن تكمن لدى هؤلاء السادة الذين يبيعون،"اللى هم الشركات العقارية"، والسادة الذين يراقبون،"اللى هم كبار المسئولين فى الدولة"، والسادة الضحايا، "اللى هم المواطنين"،.. الأزمة كلها فى عملية النصب الكبرى التى تضيع بسببها أراضى الدولة ويذهب على إثرها حق المواطن العادى إلى حيث لا رجعة، ويذهب معه كل المستقبل الذى تحدثت عنه خطط التنمية لصالح الفقراء وربطته بالمدن الجديدة والامتداد العمرانى وأطراف الصحراء، لأن هذه الأماكن ببساطة أهدتها الدولة بأبخس الأثمان إلى شركات عقارية تبنى وتؤسس عقارات ومدن لا يسكنها سوى الأثرياء فقط.
نحن أمام خطط تنمية تتحدث عن تعمير الصحراء والخروج من الوادى الضيق وفتح أبواب من الفرص للبسطاء فى المدن الجديدة تحولت بمنتهى البساطة إلى حبر على ورق على يد مستثمرين لا يعترفون بالفقراء ومسئولون فاسدون لا يجدون أى مانع فى أن يمنحوا أراضى الدولة للشركات الأجنبية قبل المصرية بسعر التراب وبتسهيلات فى السداد لكى يبنوا عليها فيلات وشاليهات وقصور دون الالتفاف إلى حق الغلابة والبسطاء فى أن يجدوا هم أيضا مساكن ومدن شعبية أو تلك الشقة الأوضتين والصالة التى استبدلتها الشركات العقارية بشقق أوضتين وصالة برضه، ولكن سعر الواحدة منها يتجاوز المليون جنيه.
لا أحد ضد تعمير الصحراء ولا أحد ضد الاستفادة من تلك المساحات الشاسعة، ولم يكن أحد فينا يحلم فى يوم من الأيام أن تتحول أطراف صحراء السادس من أكتوبر أو القاهرة الجديدة أو طريق مصر الإسكندرية الصحراوى إلى جنات خضراء مأهولة بالسكان، ولكننا ضد أن تباع هذه الأرض المملوكة للدولة للشركات ورجال الأعمال مقابل جنيهات قليلة ثم يعودوا هم لبيعها خالية أو عمرانة بملايين كثيرة، لماذا لا تطبق الدولة شروطها وقوانيها على إعمار مصر التى يرأس مجلس إدارتها محمد العبار ومشروعاتها "اب تاون كايرو" فى المقطم ومراسى فى الساحل الشمالى وعامر جروب عامر جروب التى يرأسها منصور عامر ومشروعاتها بمجموعة بورتو فى السخنة والساحل الشمالى ونيو جيزة وبالم هيلز والديار.
و"سوديك" السادس من أكتوبر للاستثمار العقارى، التى يرأسها مجدى راسخ وتملك تجمعات سكنية على طريق مصر إسكندرية الصحراوى وشركة يافاماك للتنمية السياحية صاحبة "إمارت هايتس" وكل هذه الكيانات الكبرى التى تبيع شققا وفيلات بنيت على أرض حصلوا على المتر فيها بأقل من 100 جنيه فى أفضل الأحوال مقابل ملايين الجنيهات، وغالبا الدولارات، لماذا لا تطبق الدولة شروطها وقوانينها التى تجبر هذه الشركات على بناء مساكن شعبية لمتوسطى الحال، أو التنازل عن 30 % أو أكثر من المبانى لصالح الدولة ومواطنيها مقابل الأرض التى حصلوا عليها ببلاش.؟ ولماذا لا يشعر رجال الأعمال أصحاب هذه الشركات بمسئوليتهم الاجتماعية ويبادرون ببناء مدن ومساكن شعبية للغلابة والمطحونين مقابل ما يحصلون عليه من أراضى بالمجان، بدلا من التمادى فى إعلاناتهم الاستفزازية حول الفيلات والشقق التى يتجاوز سعرها المليون؟
هل تصدق أن إعلانات الطرق والصحف الآن تقدم إليك أسعار هذه الوحدات التى يتجاوز فى بعض المدن والمشاريع حاجز الـ2 مليون دولار على أنها فرصة؟ .. أنت بالطبع قرأت هذا الإعلان المستفز الذى يخبرك بضرورة أن تغتنم الفرصة وتحصل على شقة فى نيو جيزة بمليون جنيه فقط، أو فيلا فى ستيلا دى مارى بمليون ونصف بس، أو شاليه فى مراسى أو هاسيندا بـ3 ملايين دولار فقط لا غير.. هل يوجد أكثر من ذلك استفزاز لمشاعر شعب يعيش نصفه تحت خط الفقر ويعيش أكثر من نصفه بقليل فى عشش العشوائيات؟..
نعم يوجد ويمكنك ببساطة أن تطالع باهتمام إعلانات تلك الشركات أو زيارة مواقعها الإلكترونية لكى تفاجئ بتلك الأسعار الخيالية ففى "ميفيدا" تلك المدينة الجديدة التابعة لشركة إعمار ولم يظهر لها بعد أى علامات تبدأ الأسعار من مليون و400 ألف جنيه وفى مشروع "مراسى" التابع لإعمار أيضا فى الساحل الشمالى ومنذ عامين تتراوح أسعار الشاليهات التى تحاول أن تطل على البحر مابين 2 و3،5 ملايين دولار مع ملاحظة أن الشركة حصلت على الأرض من الحكومة بسعر 160 جنيها مقابل المتر الواحد.. يعنى تقريبا ببلاش.. وهو نفس الأمر الذى حدث فى مشروع "أب تاون كايرو" الذى تتخطى الأسعار فيه حاجز المليون رغم أن الأرض بيعت بسعر 90 جنيها للمتر، حسب تصريحات محافظ القاهرة، الذى طالب الشركة المالكة بتعويض 500 مليون جنيه مقابل الأرض بعد أن علم أن الشركة تبيع نفس المتر الذى حصلت عليه بـ90 جنيها فقط بـ8 آلاف جنيه.
وفى الساحل الشمالى أيضا وفى الإمارات هايتس التابعة شركة يافاماك للتنمية السياحية تكون محظوظ لو حصلت على تلك الشقة التى لا تتعدى مساحتها 100 متر بأقل من مليون جنيه ضمن وحدات هذا المشروع الذى سيتكلف حوالى 5 مليارات جنيه، طبعا أنت تعرف بالضرورة أن الأرض المقام عليها المشروع من أراضى الدولة وتم بيعها بأرخص الأسعار.
وفى الساحل أيضا وفى هاسيندا ذلك المنتجع التابع لشركة بالم هيلز تتعدى الأسعار حاجز المليون والثلاثة، حسب نوع وموقع ومساحة الوحدات، ويكفى أن أقول لك إن إجمالى المبيعات فى هاسينداباى وهاسيندا وايت تخطت حاجز الـ132 مليون جنيه مصرى.
ودعنى أخبرك وأستفزك أيضا بأن إجمالى الحجوزات فى المشروعات التابعة لبالم هيلز فالسادس من أكتوبر والقطامية الجديدة وبوتيكا بطريق مصر إسكندرية الصحراوى فاق كافة التوقعات وتعدى 1.2 مليار جنيه مصرى فى الربع الثالث من العام الماضى، ودعنى أستفزك أكثر وأكثر وأخبرك بأن الشركة وقت الأزمة العالمية أعلنت أنها ستستجيب للتغيير فى ظروف السوق وستطرح وحدات أرخص يتراوح سعرها مابين 1,2و1,3 مليون جنيه، وهو ما قالت عنه الشركة أنه يمثل 20% أقل من أسعارها العادية.
وفى نيو جيزة، التابعة لشركة «نيو جيزة» للتنمية والتطوير العمرانى، يمكنك أن ترفع سماعة هاتفك وتتصل بخطهم الساخن وتسأل عن سعر الشقة التى لا تتعدى مساحتها 120 مترا ولا تصاب بالخضة حينما يخبرونك بفرح أنها بـ900 ألف جنيه وأن كل ما هو أزيد فى المساحة أزيد فى عدد الأصفار.. هل تريد المزيد؟.. المزيد ستجده فى إعلانات الصحف اليومية وإعلانات الشوارع وفى التليفزيون.. ستجده بكثافة وكأن وصول سعر الشقة إلى مليون جنيه أو مليون دولار فى بعض المشاريع أصبح أمرا عاديا وطبيعيا علينا أن نتقبله، دون أن نسأل على أى أرض بنيت هذه المدن؟، وكيف حصل أصحاب تلك المشاريع على تلك الأراضى؟ وهل دفعوا حق الدولة؟ وهل كانت الدولة حريصة على الحصول على حقوق مواطنيها الغلابة؟ وإن كانت الدولة حريصة على التعمير والتجميل والتفخيم فلماذا لا تبنى للفقراء مدنا ومساكن وشقق أوضتين وصالة وحدائق وطرق محترمة مثلما تبنى للمليونيرات والمليارديرات منتجعات وفيلات وشاليهات تطل على بحيرات صناعية وحدائق غناء؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة