نقلاً عن مجلة المصور
لم يعجبنى مسلسل «كيلوباترا» الذى يعرض حالياً خلال شهر رمضان.. وعلى الرغم من أن ما شاهدته من المسلسل هو ثلاث حلقات فقط، إلا أننى مازلت أشعر بأن المسلسل لا صلة له بـ«كليوباترا» أو عصرها.
ليست هذه أبداً الحياة المصرية الفرعونية التى امتزجت بالحياة اليونانية، وفجرت طاقة عظيمة فى مصر خلال عصر البطالمة.
أحسست أن المسلسل قد صورت حلقاته فى الظلام، وأن الملابس والديكور لا يمت بصلة إلى عصر الملكة العظيمة «كيلوباترا» ومن المؤكد أن العمل افتقد الحرفية، بمعنى أنه لم يتم الاستعانة بأى من الأثريين المتخصصين فى عصر الملكة «كيلوباترا» لكى يصحح كثيراً مما رأيناه فى بداية العمل التليفزيونى والذى يبدو أنه سوف ينتهى أسوأ مما بدأ.
كذلك اختفت أسماء بعض كبار المتخصصين من غير الممثلين ممن هم على دراية كبيرة بالفن خلال العصور المصرية القديمة، ونذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر الفنان محمود مبروك المتخصص الأول فى فهم هذا العصر وفنونه.
ومن المعروف أن السينما العالمية وإلى الآن لم تنتج أى فيلم أو عمل فنى عن الفراعنة دون الاستعانة بالمتخصصين، ولذلك جاء فيلم «ستار جيت» قصة خيالية لا تمت للواقع بصلة.. وهذا هو حال الدراما، ولكن هناك التزاماً رائعاً بالملابس وبالهيروغليفية المكتوبة وشكل المعابد القديمة.
وأذكر أن عبقرى السينما العالمية ستيفن سبيلبرج قبل أن يقوم بإخراج فيلم «أمير من مصر» جاء إلى جامعة لوس أنجلوس ليقابل أهم علماء المصريات، واختار منهم خبيراً للعمل معه فى الفيلم.. وللأسف الشديد فإن مخرجى السينما والدراما المصرية لم يراعوا التخصص، حتى الفنان الكبير يوسف شاهين فى فيلم «المهاجر» جعل الجمل يسير فى الشوارع، على الرغم من أن الجمل لم يعرف خلال العصر الفرعونى، بل جعل الفنانة يسرا تأمر خادمتها أن تقول للملكة «تى» العظيمة الموجودة على الباب بأها غير موجودة بالمنزل!
بل وجعل من المشرف على ورشة التحنيط «شاذاً»، وكانت الملابس لا تمت بصلة للفراعنة، وكان الملك ورئيس الجيش وغيرهم يرتدون ملابس ينمائية الطابع، وليست ملابس الأسرة الثامنة عشرة من الدولة الحديثة، وللأمانة فإن مخرجاً مصرياً واحداً هو الذى راعى وجود أثرى ومصمم ملابس متخصص فى عمله الفنى وهو المخرج خالد بهجت عندما أخرج قصة نجيب محفوظ «عبث الأقدار».
وعودة إلى مسلسل «كيلوباترا» فإن حضور «سولاف فواخرجى» وجاذبيتها هو الحسنة الوحيدة بالعمل، ومازلت مصراً على أن النطق باللغة العربية الفصحى سوف يبعد الناس عن شخصيات العمل ولن يدخل قلوبهم.
عموماً المسلسل لايزال فى بدايته وأتمنى أن نرى فيه ما يغير من وجهة نظرنا الحالية، خاصة نحن لا نزال فى البداية فقط حتى لا يتحول إلى مسلسل «زوبه الكلوباتية».. وليس لـ«كيلوباترا» المصرية!
وحياة «كيلوباترا».. عبارة عن قصص حب عنيفة مع «يوليوس قيصر» و«مارك أنطونى»، وقد تجولت معهم فى صعيد مصر تشاهد أعظم الآثار المصرية، بل وتوقفت بطريق الكباش وقام الكهنة بوضع خرطوش الملكة على الكباش.. وعندما خسر «مارك أنطونى» معركة أكتيوم التى انتصر فيها «أوكتافيوس».. قامت «كيلوباترا» بعمل يظهر طموحاتها ويؤكد أنها حقاً لم تحب «مارك أنطوني» بكل جوارحها، بل أحبت نفسها وسلطانها ومصر، وكانت تود أن تسيطر على العالم كله وتجعل مصر قلب هذه الدنيا، وبعثت إلى «مارك أنطونى» بعد أن خسر المعركة لتخبره أنها انتحرت، ولأنه كان يعشقها بلا حدود فقط طعن نفسه لكى يلحق بها.. بينما كانت هى تحاول أن تستميل غريمة «أوكتافيوس» بكل حيلها سواء جمالها أو سلطانها، لكن الأخير كان يطمع فى أن يأخذها أسيرة مكبلة الأيدى والأرجل إلى روما، لكى يدخل بها المدينة ذليلة بعد أن دخلتها ملكة متوجة فى عصر «يوليوس قيصر».
وعندما فشلت «كيلوباترا» فى محاولتها لم يكن هناك بد من الانتحار عن طريق سم حية الكوبرا رمز الملكية والحكم فى مصر القديمة، أى أنها عاشت وهى ملكة وماتت وهى ملكة.. ماتت برمز الملكية.
ومن الغريب أننا لا نعرف شكل «كيلوباترا» لأن هناك منظراً لها مع ابنها «قيصرون» على معبد دندرة، وصور لها على العملة تظهر جمالها.. بينما أعتقد بعض المؤرخين الأجانب أنها كانت ملكة قبيحة.
والآن وبعد مرور آلاف السينين بدأنا نبحث ولأول مرة عن مقبرة الملكة الساحة.. أو ساحرة قلوب عظماء العصر القديم، وذلك داخل معبد يعرف باسم «تابوزيريس ماجنا»، يقع على بعد حوالى 50 كيلو متراً إلى الغرب من مدينة الإسكندرية، وعثرنا هناك على تماثيل لملوك وأخرى عبارة عن رءوس للملكة «كيلوباترا» والعدى دمن قطع العملة عليها اسم وشكل الملكة، وكذلك جبانة ضخمة خارج المعبد.
لايزال هناك غموض حقيقى حول موت أو انتحار «كيلوباترا»، وعن حقيقة شعورها كامرأة تجاه «قيصر» و«مارك أنطونى».. ويظل السؤال المحير: هل يمكن أن نكشف عن مقبرة «كيلوباترا».. ذلك الكشف الذى من المؤكد أنه سيكون حدث القرن الواحد والعشرين؟.. ومازلت أحلم!