فى جلسة فضفضة مع مسئول حكومى، قال لى إنه كلما ينظر إلى الطوابير أمام أفران الخبز فى كل أرجاء مصر يشعر بأسى بالغ ويسأل نفسه.. هل من المعقول أن كل الحكومات المصرية المتعاقبة فى السنوات الأخيرة عجزت عن حل مشكلة الخبز توزيعا وجودة، وفى نوبة حماس قال المسئول: "أتمنى أن تأتى حكومة واحدة ترفع شعار رغيف العيش مشروع قومى".
وقت أن قال لى هذا المسئول كلامه كان مصطلح "شهداء الخبز" بدأ فى التسلل إلى حياتنا، بعد أن كنا نعرف شهيد الأرض، وشهيد العرض، وشهيد الشرف، وشهيد الواجب، وشهيد العمل، وكل الشهداء الذين يقدمون أرواحهم فى قضايا وطنية لم تكن قضية رغيف الخبز قد بلغت مرحلة تستوجب نضال المصريين من أجل الحصول عليه، وأن هذا النضال من الممكن أن يكون مدفوع الثمن، كأن يدفع المواطن حياته مقابل الحصول على بضعة أرغفة خبز، كما حدث فى قرية السلامية بمركز نجع حمادى.
وقت أن حدثنى المسئول الحكومى عن فكرة "رغيف العيش مشروع قومى" لم تكن كارثة انقطاع التيار الكهربائى سجلت نفسها على النحو الذى نراه الآن، فبعد أن كانت الحكومات المصرية المتعاقبة تتحدث عن إنارة كل قرى ونجوع مصر، وبعد أن كان دخول الكهرباء كل بيت مصرى من البديهيات التى تتلاءم مع الواقع الحالى، أقول إنه بعد كل ذلك أصبحنا الآن نعيش مرحلة انقطاع التيار الكهربائى، وتكبد المصانع والشركات خسائر فادحة بسبب ذلك، ويحدث هذا فى الوقت الذى تحتفل فيه عواصم عالمية بمناسبة مرور عشرات الأعوام لم ينقطع فيها التيار الكهربائى دقيقة واحدة.
لم يكن انقطاع الكهرباء الكارثة الجديدة التى جاورت كارثة رغيف الخبز، فهناك كارثة انقطاع المياه عن رى الأراضى الزراعية، وكارثة انقطاع مياه الشرب، أى تعددت الكوارث والنتيجة واحدة، وهى معاناة وراء معاناة ولا حل.
المهم أننى وأمام تعدد الكوارث أعتزم زيارة المسئول الحكومى زيارة رمضانية لأذكره بحماسه عن فكرة "رغيف العيش مشروع قومى"، قبل أن ينسى الفكرة ويتحول إلى "المشروع القومى لمحاربة انقطاع الكهرباء"، أو "المشروع القومى لمحاربة انقطاع مياه الرى"، و"المشروع القومى لمحاربة انقطاع مياه الشرب".