ماما ملك، امرأة مكافحة صابرة، عكس الزمن على ملامح وجهها خطوطه وبصماته وكل ما تحملته فى الحياة، عندما تنظر إلى عينيها تشعر بالاطمئنان والدفء، وترى الطيبة والرضا الكامل بما قسمه الله لها، وترى فى عصاها التى تتكئ عليها حكمة عميقة اكتسبتها على مدار 75عاما هى سنوات عمرها، كُرمت كأم مثالية على محافظة بورسعيد كما كرمتها هذا العام جمعية الضمير الحى للسنة الثانية على التوالى.
ماما ملك كما يناديها أولادها الطلبة والطالبات كانت مُدرسة رياضيات فى المدرسة الثانوية بنات ببورسعيد، وفى مدرسة القومية فى الجيزة، تخرج من تحت يديها أساتذة فى الجامعة وزعماء فى العمل الخيرى ومديرون لشركات كبيرة وخبراء فى الخارج، تقول عن العلاقة بين الطلبة والمدرسين حاليا «اللى بسمعه غريب مابقتش بقارن بين أيام زمان ودلوقتى لأن مفيش وجه مقارنه، أصبحت العلاقة بين الطالب والمدرس مادية ليس أكثر، زمان كان الطالب من حقه يروح للمدرس بعد اليوم الدراسى عشان يشرح له، إنما عمرى ما سمعت عن الدروس الخصوصية دى على أيامى، ده أنا لسه أولادى تلامذتى بيجولى ويسألوا عليا لحد دلوقتى»، ثم تنهدت وقالت: «بعد سنين العمر دى كلها لسه فاكرنى».
عندما تراها تشعر بأمومتها الفياضة التى تكدرت عندما أدرك الموت أحد أبنائها، فتقول ماما ملك:«بعد وفاة ابن من أولادى وخلفه زوجى بتسعة أشهر أراد أن يأخذنى ابنى الذى يعيش فى القاهرة حتى أعيش معه، ولكنى رفضت وقلت له «اتركنى، أنا بحب الوحدة، عايزة أقعد مع ربنا، أنا عندى إحساس إنى لو نمت وباب شقتى مفتوح ربنا الحارس«، ثم صمتت برهة، وأضافت: «أنا أم غريبة الشكل ماصرختش ولا أى حاجة لما ابنى توفى، بس قعدت كده على سجادة الصلاة وقلت (إنا لله وإنا إليه راجعون)، بس دلوقتى لما بشوف صورته اللى دايما موجودة جنبى ببكى غصب عنى».
دائما ما تنظر ماما ملك لنفسها وكأنها لم تفعل شيئا، وتريد عمل المزيد فتقول: «بشوف عطاءات من عند الله، مهما عملت مبعملش زى اللى بيعملوه الناس، وعايزة أكون قريبة من ربنا، حاسة إن عبادتى مش كما يجب، وفيه كتير أحسن منى، دايما ادعى وأقول يارب حسسنى بمعيتك معايا ورضاك عنى، ومفيش حاجة تصعب ولا تكبر على ربنا».
وأضافت: «أنا عندى رُخامة كانت فى جهازى من 47 سنة نظفتها ولمعتها كتير، كانت عادية وفوجئت مرة من فترة قريبة وأنا بنظفها إن فيها كلمة (الله)، مصدقتش عنيا وندهت جارتى، قولت يمكن بيتهيئلى ومش عارفة أشوف ولكنها أكدت لى ما رأته عيناى، كلمة (الله) كما هى مكتوبة بنفس طريقة كتابتها فى الحرم داخل دائرة، ولكنى شكيت إن يكون حد حفرها، فتحسست الرخام فوجدته أملسا ليس محفورا عليه، فأدركت أنها إشارة من عند الله ليقول لى إنه بجانبى، كل ناس بورسعيد جولى يشوفوها، واللى شافها قاللى دى معجزة عشان تطمئنى وماتحسيش إنك لوحدك».
و أكملت «بنطق على لسانى دعوات وأنا بصلى عمرى ما أفكر إنى ممكن أكون أنا اللى قلتها مهما وصلت من العلم، ونفسى أبعتها هديه للشيخ خالد الجندى فى قناته لأنى عرفت إن كلها عمل تطوعى ووقف لله».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة