نجلس فى انتظار مدفع الإفطار وكأن على رؤوسنا الطير، لا لسبب سوى أننا نعتقد منذ الطفولة بقدسية تلك اللحظة التى يمكنك أن ترفع يدك فيها وتطلب من الله ما تشاء، هكذا علمونا..أن دعوة الصائم لا ترد، فنجتهد فى مقاومة روائح أشهى المؤكلات وهى تداعب مؤخرات أنوفنا حتى نجند كل حواسنا ونحن ندعو الواحد القهار بتلك الدعوة التى لا ترد.
نعرف أن المدفع لا يضرب ولا يحزنون وأن الفرقعة التى نسمعها فى الراديو أو التلفزيون هى مجرد بقايا من زمن جميل فى احترامه نروضها لكى نفرح قليلا فى وقت عز فيه الضحك والراحة..
ينطلق المدفع وتأخذ أرواحنا زاوية هادئة من نفوسنا للتواصل مع الرحمن الرحيم ويدعو كل منا بما يشاء، استأذن من روحك للحظات وتابع ضيوفك على مائدة الإفطار ولن تجد سوى همهمات وعيون دموعها تقف على أبوابها تطلب من الله الصحة والستر، وفى تلك الأيام الصعبة التى نعيشها ستجد شفايف من يدعو تتمسك كثيرا بتكرار طلب "الستر"، وعيونه تجتهد وهى تحلق فى الأسقف العالية فى محاولة لاختراقها والوصول للسماء كلما تذكرت مشهدا لمواطن تم تعريته داخل قسم شرطة وانتهاك عرضه أو مواطن سقط فى طابور العيش أو أب انتحر تحت وطأة الفقر..لتطلب الستر، وكلما تذكرت مشهدا لمواطن سقط ميتا فى الشارع بعد أن أصيب بهبوط فى الدورة الدموية نتيجة ضعف حاد وسوء فى التغذية واكتئاب وإحساس بالقهر والذل.. تشدد على طلبها بالستر.. الستر والصحة ولا شىء آخر!
شخص واحد فقط لا يدعو الله على مائدة الإفطار هو ومن معه، ربما لأنه يدرك بطبيعة الحال أن دعوة الظالم ليست كما دعوة المظلوم، حتى وإن دعا الله فبما يدعو؟ هل يدعوه بالستر وهو أصلا يجاهر بذنبه، هل يدعو الرئيس – أى رئيس أو زعيم أو ملك أو أمير - ربه بأن يغفر له ذنب ملايين المواطنين الذين تحتضر قلوبهم وكلاويهم وأكبادهم وأطفالهم على أرصفة مستشفيات لا تسمح لأجسادهم نصف الميتة بتلقى العلاج لأنهم لايملكون الثمن؟ هل يدعو الرئيس- أى رئيس - ربه بأن يغفر له ذنب قتلى التعذيب وطوابير الفقر وآلاف النفوس التى أكلها البحر الأحمر وبحر رحلات الهجرة غير الشرعية الأبيض المتوسط؟ أم يدعوه بأن يرحمه من نار جهنم وهو من "شوت" نيران الحرائق الناتجة عن الإهمال مئات النفوس الغلبانة والمطحونة؟ أم يطلب منه الغفران على ذلك الفساد الذى يغرق فيه البلد، أم الغفران على ملايين المواطنين الذى تركهم دون سؤال وهم يصارعون الموت جوعا وعطشا ولم يعاملهم كما عامل سيدنا عمر "بغلته" التى تتعثر فى العراق؟
هل يدعو لنفسه بالرحمة ويطلب الجنة أم أنه غفل وتكبر ورأى فى منتجعات الصحراء جنة الخلود التى يظن أنها لن تباد أبدا؟ أم أنه يفهم جيدا أن كل دعواته لن تفلح أمام سيول من دعوات المظلومين، فقرر أنه بعد أن يضرب مدفع الإفطار لا صوت يعلو فوق صوت المعلقة ..حتى ولو كان الدعاء نفسه!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة