أى إغراء سياسى حقيقى تعتقد قطر أنه موجود على أرضها ويستحق أن تزرع مصر جواسيس داخل أراضيها بهدف جمع المعلومات حوله؟ وهل يمكن لدولة تحتلها قاعدة أمريكية عسكرية تصفها المنظمات والصحف الأجنبية بالأضخم والأكبر فى المنطقة ويعتبرها البعض امتدادا لأمريكا بولاية جديدة فى الشرق الأوسط أن تخشى من العمال المصريين الغلابة الذين سافروا للبحث عن الرزق فى أرضها وتوجه لهم اتهامات غامضة بالتجسس والتخابر لصالح السلطات المصرية؟
أنا لا أقلل أبداً من شأن الإمارة القطرية، ولا أنفى تهمة التجسس التى وجهتها قطر لمواطنين مصريين، لأن تفاصيل التهمة الغارقة فى الغموض كافية لأن تجعلك تشم ريحاً سياسية غير طيبة فى الموضوع كله، وكافية أيضاً لأن تجعلك تضع يدك على قلبك خوفاً على المصريين العاملين بقطر، على اعتبار أن هذه ليست المرة الأولى التى يتم فيها توجيه اتهام لأحد المصريين العاملين فى قطر بالتجسس، ففى الوسط الصحفى لدينا بعض القصص الشبيهة عن زملاء عانوا من مشاكل كثيرة مع أرباب عملهم أو راحوا ضحايا لنميمة غير معلومة المصدر أو لارتفاع مؤشر الاحتقان السياسى بين القاهرة والدوحة، وتمت التضحية بهم وقطع أرزاقهم وتهديدهم بتهم تجسس صريحة أو ترحيلهم بشكل فجائى وبدون سابق إنذار بتهم ترفع شعار وجودهم الخطر على الأمن القومى للإمارة، كأنهم تحولوا فجأة إلى جيمس بوند، وهو أمر لم يتم الإعلان عن حدوثه إلا مع المصريين فقط لا غير. وطبعاً أنت لست فى حاجة لأن تسأل عن دور وزارة الخارجية فى حماية المصريين فى الخارج لأن الرد سيكون شيئاً مخجلا لا يعجب أصحاب الضمائر الحية.
الوقائع والأخبار التى تم تداولها سابقاً بنفس المضمون، وحالة التنافر الواضحة بين القاهرة والدوحة، والحرب السياسية الثنائية التى تروج قطر لوجودها دائماً مع مصر من أجل الفوز بالدور الإقليمى، تدفعك دفعا لأن تتحسس مناطق المنطق والشك وأنت تتعامل مع القضية الأخيرة التى شهدت الحكم بالسجن على المواطنين المصريين نبيل عبدالبصير الذى عمل صحفياً، وفى وظائف إدارية بصحف قطرية كبرى مثل «الراية» و«العرب»، وسيد عفيفى الذى كان يعمل فى إحد الوزارات القطرية بعد اتهامهما بالتجسس والتخابر لصالح مصر.
الشك فى تفاصيل تلك القضية منبعه لا يأتى فقط من الحواديت الشبيهة كما قلنا، أو من الصراع الذى تصدر قطر وجوده مع مصر حول الدور الإقليمى، أو حتى أن التجسس على إمارة فى حجم قطر يكفيه جاسوس واحد لا اثنان، منبع الشك هنا يكمن فى حالة الغموض، وتلك التفاصيل المريبة التى تم إعلانها بخصوص القضية، فدائماً وأبداً تظل قضايا التجسس واضحة، ومعروف على الأقل أولها من آخرها، مثلما عرفنا مثلاً ماذا كان يفعل عزام عزام أو المهندس شريف النووى فى مصر، أو مثلما عرفنا ما الذى كان تفعله شبكة التجسس الروسية التى تم القبض عليها مؤخراً فى أمريكا، هذه الشروط لا تتوافر فى قضية المصريين اللذين تتهمهما قطر بالتجسس عليها لصالح مصر، بل تتحفظ الصحف والمؤسسة الرسمية القطرية على إبداء أى تفاصيل تخص القضية، فهل من المعقول أن تظل قضية تجسس خطيرة بهذا الشكل الذى يقولون عنه هادئة وغير محسومة منذ العام 2007 حتى الآن، وهل من المعقول أن تترك دولة مواطنين غرباء وجهت لهما اتهامات بالتجسس والتخابر لصالح دولة أجنبية أحرارا يمارسون أعمالهم ويحصلون على ترقيات مثلما حصل مع نبيل عبدالبصير، ثم تتذكر فجأة وجودهما أحرارا وتسارع بحبسهما مع صدور الحكم بسجنهما؟
الأمر الثانى المثير للشك هنا هو تزامن بداية هذه القضية مع بداية مرحلة الخلاف العلنى بين القاهرة والدوحة وقت الحرب الإسرائيلية على غزة، ونشاط فضائية «الجزيرة» فى الهجوم على مصر واتهامها بالتواطؤ مع تل أبيب، ثم مقاطعة مصر والسعودية القمة التى استضافتها الدوحة، وهو الأمر الذى اعتبرته قطر وقتها خصومة واضحة ورغبة فى إفشال تحركاتها فى المنطقة، وبجانب هذا وذاك ثمة أمر لا يمكن إغفاله خاصة إذا كنت من متتبعى الطريقة القطرية فى التعامل مع مصر ومحاولة تضخيم ما تحاول أن تصدره للعالم بوجود منافسة معها على قيادة الدور الإقليمى فى المنطقة. قطر تعتمد هنا على الفرقعة الإعلامية دائما، وهو أمر قامت به فضائية «الجزيرة» على نحو جيد خلال السنوات الماضية مستغلة الأحداث الداخلية المشتعلة بين المعارضة والنظام طوال الفترة الماضية، وفى ظل حالة الهدوء الموجودة على الساحة السياسية الآن، وانكشاف لعبة «الجزيرة» وانفضاض الكثير من المصريين عنها بعد تحيزها الواضح ضد مصر فى أزمة الجزائر، لا يوجد شىء أفضل من لعبة التجسس والمخابرات، لكى يحقق الفرقعة المرجوة ويعيد اللعبة التى تعشقها قطر لبؤرة الضوء الإعلامية.. لعبة التنافس بين القاهرة والدوحة! وبالمرة تدخل قطر مجالاً جديداً اسمه المخابرات فى محاولة لوضع المخابرات القطرية على اللوحة السياسية للمنطقة التى لم تعرف يوماً وجوداً لأى مخابرات أخرى بخلاف المخابرات المصرية ومعاركها الشهيرة والمشرفة مع الموساد الإسرائيلى. أرجوك لا تستبعد هذا الطرح أبداً لأن الأداء القطرى فى القضايا المختلفة يدعمه بقوة، فنحن أمام إمارة تعمل بنظام «الشو» والفرقعة فى كل القضايا المختلفة حتى حملتها لاستضافة كأس العالم منحتها كثيرا من الشو الإعلامى بالإعلان عن تكييف الملاعب وصرف أكثر من 100 مليار دولار فى سابقة أدهشت العالم أجمع.
باختصار.. الأمر هنا يعنى أن كل الأوراق التى تصنع «الشو» الإعلامى الذى يبقى على وجود الإمارة القطرية فى بؤرة الضوء والصخب الإعلامى ويضمن مكانها على خريطة الأحداث يمكن استخدامها، حتى لو كانت هذه الأوراق هى تضخيم أخطاء عاملين مصريين فى قطر والوصول بها إلى درجة الاتهام بالتجسس والتخابر على الدولة القطرية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة