وسط كم المسلسلات والبرامج، هناك أعمال مكررة أو منقولة أو برامج حوارية تافهة، ولا يعنى هذا إغلاق كل شىء أو مصادرة ومنع الدراما، فالتسلية والإمتاع مطلوبة طالما كانت فى سياقات مشوقة أو بفنية وحرفية عالية، والإغلاق لم يعد يناسب العقل والمنطق، والإنتاج السينمائى أو التلفزيونى أصبح واقعاً، وجزءاً من حياة الناس فى أوقات فراغهم. ومن حق المواطن أن يجمع بين العبادة والتسلية أو يبتعد عن المشاهدة أو يختار ما يشاهده.
وإذا كنا نتحدث عن أعمال مشوقة وممتعة، فإن "أهل كايرو" تقدم هذه المعادلة، وإذا كانت الأعمال البوليسية صعبة وحدها، والأعمال الكوميدية أيضا صعبة، يمكننا إدراك الجهد الذى بذله بلال فضل فى أهل كايرو، ليجمع بين التشويق البوليسى والخفة الكوميدية فى عمل واحد، يربطه خيط "صافى سليم" القادمة من القاع إلى سطح المجتمع، وتقتل فى صباح يوم زواجها.
اختار بلال فضل فى "أهل كايرو" الطريق الأصعب، وسعى لتقديم عمل فيه درجة عالية من التشويق دون أن يخلوا من حس كوميدى غير مفتعل، بل هو جزء من مسيرة الأحداث بدون اقتحام أو ادعاء، مثل مشهد أخذ بصمات نزلاء الفندق والعاملين فيه والحوارات التى دارت بين فئات مختلفة، بشكل كوميدى. وإن كانت الكوميديا فى "أهل كايرو" خلفية وليست أساس العمل.
ونجح بلال فضل أيضا فى التقاط حوارات وتفاصيل عمل ضابط المباحث الذى أدى دوره ببراعة خالد الصاوى، ومع إنها ليست المرة الأولى التى يقدم فيها دور الضابط فقد قدم الدور باحتراف، كما أن بلال قدم الكثير من تفاصيل وسلوكيات رجال الشرطة بدقة، كما أنه قدم تناقضات العلاقات بين الشرطة والنيابة والتوتر الذى يميز علاقاتهم.
"أهل كايرو" بالرغم من أنه فى الظاهر عمل بوليسى، فإنه أيضا قدم قطاعاً فى المجتمع بعلاقاته وتناقضاته وفساده الرسمى والمالى، وهى الخلفية التى ربما لم تظهر تماما لكنها كانت جزءاً من العمل.
ومثلما نجح بلال فضل فى تقديم عمل يجمع بين التشويق البوليسى الذى يشبه عالم أجاثا كريستى، فإنه أيضا قدم جرعة من الكوميديا، ونجح المخرج فى تقديم مشاهد أقرب إلى الواقع وتشبه إلى حد كبير ما يدور فى الواقع، كما أن ممثلاً مثل خالد الصاوى نجح فى تقديم الدور بدرجة عالية من الاحترافية، وأضاف إليه أبعاداَ مهمة جعلته أقرب للواقع. كما قدم زكى فطين عبد الوهاب دور الجراح الثرى بشكل جيد، وحتى القتيلة نفسها قدمت دور القتيلة بشكل جيد. ولم يعب العمل سوى الإطالة فى بعض المشاهد بشكل يناقض طبيعة العمل أو الإطالة فى الحلقات لزوم الإنتاج، وهى عيوب ترجع إلى رغبات إنتاجية.
لكن عموما لقد اجتمعت عناصر كثيرة لتجعل "أهل كايرو" عملاً يجمع التشويق بخفة دم بوليسية، وهو أمر يستحق الالتفات.