«فاطمة حمدى» الأمومة رسالتها.. والمعاناة قدرها.. والرضا والصبر أسلحتها.
فاطمة قامت بدورها كأم على أكمل وجه لأبنائها التسعة، حتى تزوج منهم ثمانية، وأصبحت على شفا خطوات من راحة النفس والضمير والجسد بعد تأدية رسالتها، ولكن كان للقدر قرار آخر فاجأها به من خلال ابنتها الصغرى سماح، فتغيرت خططها وآمالها وفرضت عليها الأحداث مصيرا جديدا.
سماح الطالبة بكلية الآداب والابنة الصغرى لفاطمة داهمها المرض اللعين منذ أن كانت فى الصف الثالث الثانوى وانتهى بجراحة استئصال ورم بالمخ انتهت بفقدانها البصر.
لم تجد فاطمة أمامها إلا النزوح يوميا من مسكنها فى المعادى إلى الجيزة وافتراش الأرض لتبيع لعب أطفال، وتقول واصفة حالها بعيون اعتادت الدمع: «مش بمزاجى أقعد فى الشارع وأهين نفسى، لكن ما باليد حيلة، فبعد فقدان ابنتى لنظرها أصبحت مسؤولة عن تنقلاتها لازم أوصل ابنتى إلى جامعة القاهرة يوميا، وزوجى قاعد فى البيت لا يعمل بسبب مرضه بالسكر الذى يصيبه بنوبات شديدة تمنعه من مواصلة أى عمل، فوجدت نفسى ملزمة بالنزول إلى الشارع، مش عايزة أتسول فلم أرب أبنائى وأحرص على دخولهم الجامعات فى كلية الحقوق والتجارة لكى يستعروا منى فى النهاية، فى نفس الوقت كان لابد من اختيار عمل لا يحتاج القراءة والكتابة ولا يحتاج إلى رأس مال كبير».
تروى فاطمة حكاية مرض ابنتها وتقول: «بعد حصول سماح على الشهادة الإعدادية وقررت الدخول الثانوية العامة، لاحظت تغييرات فيها بدأت بكتابتها الكلام بالمقلوب ووجدت رأسها تميل إلى اليمين، كانت مفاجأة بالنسبة لى لأنها كانت طبيعية، وبعد عرضها على الأطباء أكدوا لى أنها مصابة بالسرطان العصبى وتواجد الورم بالقرب من المخ».
تواصل فاطمة التى لم تستطع أن تمسك دموعها من الانهمار: «كنت بتقطع كلما رأيتها تعانى أمامى من الكيماوى التى كانت تحصل عليه، بس على الأقل كانت وقتها ترانى وأنا أجلس أمامها أشجعها على الصمود، حتى قامت بالعملية التى استخلصوا فيها الورم وفقدت فيها عينها فى الوقت ذاته، وكانت سماح دايما بتحمد ربنا وتدعوه أن يكون ذلك الابتلاء سبب دخولها الجنة».
أبناء فاطمة الثمانية تحول الظروف بينهم وبين مساعدة أمهم وأختهم.. وتضيف: «كان نزولى الشارع أكبر صدمة بالنسبة لى، رأيت بالفعل مآسى الحياة، وعيون الناس التى لا ترحم، كنت دائما أشاهد البلدية، وهم يطاردون الباعة فى الشوارع الذين يتسابقون فى الهروب، لكنى لم أتصور أن يأتى اليوم الذى أكون فى مثل مكانهم لتجرنى البلدية إلى القسم جامعين بضاعتى، كنت أبكى بهيسيترية ليس لخسارتى بعض اللعب، وإنما لإحساسى بالمهانة، تذكرت وقتها أيام شركتنا مع أختى فى محل الكوافير الذى كان يعمل فيه زوجى، كانت حياتنا وقتها مرتاحة، استطعنا أن نعلم أبناءنا ونزوجهم جميعا، وتدور الأيام لكى أجد نفسى فى القسم.. مقبوض عليا».
تفهم ضابط المرافق ظروف فاطمة وأعاد لها بضاعتها بل سمح لها ضباط المرور فى ميدان الجيزة بالجلوس لبيع الألعاب بعد معرفتهم بمرض ابنتها، وكما تقول: «كل الناس هنا عارفين إنى طيبة وفى حالى، لم يعل صوتى يوما، ولا أنتظر سوى أن أجمع قوت يومنا لكى نستطيع أن نتعشى إنشالله تكون وجبتنا الوحيدة حتى لو كانت لقمة بجبنة».
أمنية فاطمة تملك «كشك» يكون بديلا لها عن «بهدلة» الشارع، وتقول: «طلبت من حى المعادى أن يخصصوا لى كشكا فى أى مكان بدلا من الشارع، لكن لم يستجب لى أحد»، وتواصل: «أنا كبرت فى السن وتعبت من الجلوس فى الشارع الذى لا يعلم عنه أولادى، وعندما تتخرج ابنتى لن أجد الحجة التى تجعلنى آتى كل هذه المسافة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة