منذ أيام جربت إيران صاروخا بالستيا أرض- أرض متوسط المدى (مداه 1500 كم) كما أعلنت عن تصنيعها لطائرة قاذفة بدون طيار مداها 900 كم، وبعدها بيوم أعلنت عن تصنيعها لنوعين حديثين من الزوارق البحرية الحربية التى تحمل منصات صواريخ، وذلك كله تواكب مع بدء تشغيل مفاعل بوشهر النووى وإمداده بالوقود اللازم لعمليات التشغيل، والناظر لأحوال إيران الاقتصادية والتكنولوجية يلاحظ أنها تسير على خطى الاتحاد السوفيتى السابق ومن ثم تنتظرها نهاية الإتحاد السوفيتى المأسوية إن لم تكن تنتظرها نهاية أشد سوءً.. طبعا نحن نتكلم فى حدود ما لو ثبتت جميع المتغيرات الحالية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إيران تقتفى أثر الاتحاد السوفيتى السابق فى الاهتمام بالتصنيع العسكرى والإنفاق بكرم بل ببذخ عليه وعلى الصراعات الإقليمية والدولية التى تخوضها هنا وهناك سواء كانت صراعات سياسية أو عسكرية، هذا بجانب الإهمال وعدم الكفاءة وانعدام الفاعلية فى إدارة الاقتصاد الإيرانى العام، فالاقتصاد الإيرانى يمثِّل نموذجًا لِهَدْر الإمكانيات والفرص، رغم أنها تملك ثانى أكبر احتياطى نفطى فى العالم (136.8 مليار برميل) ورغم ذلك فإن النفط الذى يشكِّل 83% من صادراتها، يتمُّ تصديرُه خامًا، بينما تستورد 40% من احتياجاتها من البنزين، وتتعرَّضُ لأزمات متكرِّرَة لنقْص الإمدادات منه، وصلت بعضها إلى مستويات من التوتُّر العام، مثلما حدث عندما قنَّنَت الحكومة الإيرانية حصص البنزين للمواطنين فى عام 2007، مما أدى لاندلاع مظاهرات وقلاقل كبيرة فى العديد من المدن الإيرانية فى شهر يونيو 2007، وهذا الأمر لا يمكنُ وصفُه إلا بأنه فشلٌ ذريع فى إحدى أبرز الدول الغنية بالنفط!
وقد ذكر الباحث الاقتصادى المتميز أحمد النجار نموذجا آخر لهدر الإمكانيات الإيرانية يتعلق بالقطاع الزراعى ويتضحُ أكثر بالمقارنة مع مصر، حيث إن مصر بمساحة أرض زراعية تبلغ سدس نظيرتها فى إيران وبموارد مائية وثروة حيوانية تقلُّ عن نصف نظيرتها فى إيران، تنتج نحو 22 مليون طن من الحبوب مثلها مثل إيران بالضبط، وتنتج نحو 24.1 مليون طن من الفواكه والخضر، مقابل 26.6 مليون طن فى إيران، كما تنتج نحو 1.5 مليون طن من اللحوم، مقابل 1.7 مليون طن لإيران، وهو ما ينعكس على الزراعة المطريَّة والسلالات التقليدية، بينما تعتمد مصر على الزراعة المرْوِيَّة والسلالات المحسَّنَة.
كما تهتم سياساتُ إدارة الاقتصاد الإيرانى التى يمسك بها الرئيس الإيرانى ومجموعة المحافظين وقيادات الحرس الثورى بدعْم الريف وتجار البازار الذين لا تمسّ مصالحهم، بينما من أهم خصائص هذه السياسات أيضا افتقادها للخبرة مع اتصافها بضعف الكفاءة والجمود، ولولا حدوث ارتفاعات هائلة لأسعار النفط فى عهد نجاد، لا فضل له فيها، لكان وضع الاقتصاد الإيرانى الآن فى الحضيض، وقد بلَغَ متوسِّط معدل النمو السنوى نحو 4.2% خلال الفترة من عام 2005 حتى تقديرات عام 2010، مقارنةً بنحو 6.4% سنويًّا فى مجموع الدول النامية خلال الفترة نفسِها، مما يشيرُ إلى أن إيران كانت ضمن مجموعة الدول التى حقَّقَت معدلات نمو أقلّ من المتوسِّط.
ورغْمَ أن نجاد قد وَعَدَ بتحسين أداء الاقتصاد وتوزيع الدخل ومساعدة الفقراء وإعطائهم حقوقهم فى الثروات الطبيعية لبلادهم، إلا أنه لَجَأَ إلى تقديم مساعدات مالية مباشرة لمواطنى المناطق الريفية التى كان يزورُها فى صورة هبات نقدية، وهبات عينية من البطاطس، وهذه الطريقة لم تغيِّرْ شيئًا من واقع الفقر فى إيران، ولم تمكِّن الفقراءَ من كسب عيشهم بكرامة من خلال فرص عمل دائمة وأجور عادلة فى بلدٍ ارتفع فيه معدل البطالة إلى 10.5% من قوة العمل، ومعدل التضخم إلى نحو 15.3% سنويًّا فى المتوسط خلال الفترة من عام 2005 حتى عام 2009.
ومن هنا فمجرد ترك إيران لنفسها تهدر مواردها وتسئ إدارة اقتصادها من شأنه أن يصل بها إلى نهاية مأسوية لا يعلم مداها إلا الله ولا يرضاها لها أى صديق، أما إذا استمر التحالف الغربى (الأوروبى والأمريكى والإسرائيلي) وغيره فى تضييق الخناق على الاقتصاد الإيرانى عبر العقوبات المختلفة فإن ذلك سيزيد من الضغوط الواقع تحتها هذا الاقتصاد المعوق، فهل يتذكر ساسة إيران الدرس السوفيتى فى الاقتصاد والسياسة أم أن الحماس يغطى بصائرهم؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة