ذهبت إلى البحر لأستمتع قليلا من أعباء العمل الذهنى.. واكتشفت أن طلب الراحة عبث ومحاولة لا يجب أن تتكرر لأن تغيير جغرافيا وجودى لا يعنى تغيير الفكر أو تقليل درجة الانشغال بهموم الحياة.. هذه الهموم والمشاغل مثل نظارتى الطبية تصاحبنى فى كل مكان ويستحيل التخلص منها وإلا انفصلت عن الناس.. وهذا لا يعنى أننى لم أحاول جاهدا أن أبدو متغيرا وطالبا للراحة والاستمتاع وأقول لنفسى يكفى أننى متحرر إلى حد ما من الالتزامات المهنية بما يجدر بى أن أتفرغ للنظر إلى البحر وإقامة حوار معه مثلما أقرأ عن وحى الشعراء وهم يستمدون منه خيالهم.. لكننى اكتشفت أيضا أن النظر إلى البحر مرة واحدة فقط تكفى، وأنه لا داعى لإطالة النظر اليه ما دمت لا أريد أن أكون شاعرا..
ومن سوء حظى أن وسائل الاعلام لا تساعدنى على العزلة وليس مطروحا أن أستغنى عنها وإلا فقدت متعتى الرئيسية صباح كل يوم.. وهى متعة مريض السكر الذى يحب العسل وعندما يتناوله يتعب.. فى كل صفحة فى جريدة أو برنامج تليفزيونى أشعر بخليط من المتعة والمعاناة النفسية.. حيث لا تتفقلا الأخبار والتقارير على شئ ولا أحد بجوارى زميلا ولا صديقا أتحدث معه وأجادل ونتعجب معا من عودة سمير زاهر لرئاسة اتحاد الكرة قبل أن أتصل بهانى أبوريدة لتهنئته بالرئاسة الخاطفة للاتحاد التى تشبه مصيفى الخاطف.. ولا توجد متعة فى اختزان الافكار فى داخلى لأننى أحتاج دائما لأعرضها على الآخرين.. ولكننى أريد أن أعرض على صحبتى هذا الاختلاط العاطفى فى نفوس الرياضيين والصحفيين الذين «زفوا» سمير زاهر وهو خارج من الاتحاد ثم «زفوه» وهو داخل إليه مرة أخرى فى فترة قصيرة، حتى الصحفيون والاعلاميون الذين استغاثوا بالدولة لتخلصهم من سمير زاهر كتبوا فيه شعرا وهو يرحل، وهم مستعدون فى المرحلة القادمة أن يكتبوا فيه قصائد هجاء.. فنحن لا نعرف ماذا نريد وبأى شخص نرضى؟.. لا نحب أن يكون لنا موقف.. مثل ما يحدث لى فى المصيف.. فأنا أسعد جدا عندما يرن هاتفى المحمول وأقول فى نفسى ها أنا سوف أستهلك بعض الوقت، ويسألنى المتصل.. أنت فين؟.. فأقول له بمنتهى الرضا بالخداع والكذب، ياعم الواحد بيريح يومين من الوش ومشاكل جدو وشيكابالا واتحاد الكرة.. بينما أحدثه وأنا أفتح الصحف على نفس الموضوعات.. ثم أنسى ما قلته من لحظات وأسأل محدثى بخبث: هل تعتقد أن موضوع جدو سيختلف بعد عودة سمير زاهر رائد «حركة تمييع المواقف المصرية الرياضية» والذى عاش حياته كلها لا يريد أن يزعل أحدا معتبرا القانون واللوائح شرا ومصدر إزعاج للناس.. فيرد محدثى مستهجنا كلامى: طيب ومين قالك لك إن هانى أبو ريدة بيحب يزعل حد؟!!.. هو نائب رئيس حركة تمييع المواقف المصرية الرياضية!..
ومن زاهر وأبوريدة إلى جدو وشيكابالا.. ولا أعرف لماذا لم يتخلص جدو من البجاحة.. وهو زعلان من التحقيق معه، ومن العقوبات التى يخشاها.. فهو من فرط ضحالة ثقافته لا يعرف أنه وقع على ثلاثة عقود مع الأهلى والزمالك والاتحاد السكندرى.. وأنه أول لاعب فى تاريخ مصر يفعل ذلك.. أما شيكابالا فمشكلته بسيطة، لأنه أراد فقط أن يكون «راجل» فمن لا يحب أن يصبح أى عيل «راجل»..
يوه.. نسيت أكلمكم عن البحر.. وفى الحقيقة لا أجد كلاما كثيرا مثل الرومانسيين.. ويكفينى كما قلت أن أمد بصرى إلى نهايته وهى موقع لقائه مع السماء.. وأن أذهب ساعة الغروب فقط لأرى الشمس وهى تغطس فيه.. لم أشعر بقول الشاعر «أنا البحر فى أحشائه الدر كامن» وطبعا الشاعر كان يقصد اللغة العربية، وأكثر ما لفت نظرى أن البحر لا يضحك كما تغنى مطربة لا أتذكرها «البحر بيضحك ليه».. البحر مبيضحكش ويبدو أنه مكتئب وقرفان من هؤلاء الناس المخادعين الذين يجرون أمامه عرايا ويكذبون على أنفسهم وعلى البحر لأنهم ليسوا سعداء وانما يحاولون أن يكونوا سعداء ويفشلون غالبا..
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة