فى المشهد الخلفى للجدل الدائر الآن حول مسلسل «الجماعة» للمبدع وحيد حامد، قضايا مسكوت عنها فى كتابة التاريخ، فإذا كان الإخوان يتهمون وحيد حامد بأنه يكتب تاريخا غير منصف للجماعة، فالأولى أن نقول إن الإخوان أنفسهم ساهموا فى كتابة تاريخ مزيف للكثير من الأحداث التاريخية التى كانوا طرفا فيها، وأدى ذلك الى تشويه فاضح للتاريخ ساهم فى تكبيل عقول أجيال عديدة لم تكن شاهدة على تلك الأحداث، وحتى الأجيال التى عاصرتها وجدت نفسها فجأة مضبوطة على روايات تشكك فيما تحمله كتب التاريخ المشهود لها بالحيادية والإنصاف.
والأمثلة التى تدلل على ما أقول كثيرة، منها مثلا حادث المنشية بالاسكندرية عام 1954، والذى دبره الإخوان لاغتيال الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، فبعد نحو 20 عاما من ثبوت وقوع هذه الجريمة، خرج الإخوان يشككون فيها ويقولون إنها كانت مدبرة من عبدالناصر للتخلص من الجماعة، وظلوا يرددون هذه الكذبة حتى خرج المؤرخ أحمد رائف القريب من الإخوان قبل عامين ليؤكد بالوقائع والأدلة أن الإخوان ارتكبوا الجريمة، كما اعترفت قيادات إخوانية أخرى بالمسؤولية، لكن المأساة أن هذا التصحيح جرى بعد أن تمكن التزييف من عقول كثيرين لم يصلهم الاعتراف الجديد، لأن الآلة الإعلامية التى ظلت ساهرة على ترديد نفى الإخوان كانت أقوى لأسباب كثيرة، أهمها أنها دارت فى ظل هجمة منظمة ضد جمال عبدالناصر استهدفت تاريخه ومشروعه.
لم يكن تزييف الإخوان لحادث المنشية هو الوحيد، ولكن طال التزييف حقائق أخرى كثيرة، منها مثلا حديث الإخوان عن أن مشروع السد العالى فاشل والقطاع العام فاشل، والإصلاح الزراعى فاشل، وكل شىء تم إنجازه فى المرحلة الناصرية كان فاشلا، وتبارت المؤلفات الإخوانية فى تزييف كل هذه الإنجازات، والخلاصة أن الجماعة مارست كل ذلك فى سياق رغبتها المحمومة فى كتابة التاريخ على مقاسها الخاص، وأنها تفعل ذلك دون الالتفات إلى كونها جماعة تمارس العمل السياسى، وبالتالى فهى تخطئ وتصيب شأنها شأن كل القوى السياسية الأخرى.
وللتذكير فإن طموح الإخوان فى كتابة التاريخ طبقا لنظرتهم الخاصة، وصل إلى حد أنهم أعلنوا منذ سنوات عن تأسيس مركز خاص لكتابة التاريخ، وطموح بهذا الشكل الذى لا أعرف إن كان تم إنجازه أم لا، يعنى الدهس على كل كتابة تاريخية مغايرة لوجهة نظرهم.
الخلفية السابقة تقودنا إلى الإجابة عن السؤال الأكبر وهو: لماذا كل هذه الضجة على مسلسل «الجماعة»، واتهام وحيد حامد بكل قيمته باتهامات متجاوزة ؟ والإجابة هى من فرز ممارسات الإخوان التاريخية، فالعمل الدرامى الذى يظهرهم كجماعة سياسية تصيب وتخطئ وتناور وتتحالف، وتضحك على العامة من أجل مكاسب خاصة هوعمل مرفوض، ليس هذا فقط وإنما يتم قذفه بأقذع الأوصاف.
تنسى الجماعة أن الدائرة تدور، وأن كأس تزييف التاريخ الذى حشت به العقول فى الماضى، آن الأوان لتصحيحه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة