نكهة الشهر المعظم التى تختص بها القاهرة تحتم علينا أن نلتفت إلى تفاصيل صغيرة تُحدث فرقاً كبيراً فى المظهر، وفى الجوهر وهوالأهم. عندما أتحدث عن الضوضاء الزائدة والنظافة المفقودة فى كثير من الأحيان داخل الجوامع، يتهمنى البعض بأننى أنظر إلى شكليات وأن مَن يريد أن يصلى لن يمنعه صوت عال من التركيز فى صلاته.
فى الشهر الكريم يزيد المتوافدون من مصريين وغيرهم إلى بيوت الله، ولا تنقطع الصلاة ولا الزيارات عن أضرحة وجوامع مدينة الألف مئذنة. يأتون لها بغرض التعبد فى خشوع لا من باب السياحة أو التفاخر بزيارتها. صحيح أن مَن يدخل مسجداً ليصلى لن يمنعه شىء مهما كان، ولكن أليس من حقه أن يستشعر قدسية المكان وهيبته وأن يَبقى فى تواصل روحى وقتما يشاء ولأى فترة يحتاج؟ لماذا عليه أن يتوقع أن يقطع تواصله أحاديث يمكن أن تتم خارج بيت الله أو صريخ ولعب أطفال لايحاول آباؤهم وأمهاتهم تعليمهم احترام المكان وقدسيته أو فتات وبواقى طعام على أرض الجامع أو صوت الحارس يصرخ بأقوى حنجرة ليُقوِّم تصرفات البعض، وطبعاً يقابله فى مكان السيدات، صوت سيدة يخرق الأذن تعطى الأوامر وهى تدق الأرض بعصا مكنسة: «ياللا اللى خلّصِت توسع للى بعدها»، «وطوا صوتكو شوية يا ستات علشان الدوشة» لا تملك إلا أن تتساءل: «خلّصِت إيه؟ هل الدعاء والتعبد له كم أو طول محدد؟ ماذا لو أن الموظف أو الموظفة بدأ كل منهم بنفسه وأخفض من صوته؟ لا أقول إن الفوضى تعم فى مساجد القاهرة ولكن أقول إنه بإمكاننا تفادى كثير من التصرفات العشوائية التى نسىء بها لأنفسنا ولجوامع لها قدسية كبيرة ومكانة عالية فى نفوسنا ونفوس مَن يأتى لها من خارج مصر. الموضوع لايتعلق فقط بسلوكيات طيبة افتقدها المجتمع المصرى، ولنا هنا مثل فى جوامع اسطنبول التى تكتظ فى شهر رمضان بالمصلين من الأتراك وغير الأتراك، الوضع فى أصغر جامع لا يختلف كثيراً عنه فى أكبر جامع. أماكن الصلاة شبه مملوءة ولايمكن أن يفوتك ملاحظة نظافة المكان وانعدام الفوضى، ففى كل جامع هناك عدد يتناسب مع حجمه من المشرفين أو يمكن تسميتهم بالمرشدين يقف كلٌ منهم فى منطقة صغيرة ويكون مسؤولا عن الحفاظ على الهدوء والنظام فيها، لايتوقف عن الالتفات إلى كل ما حوله، ينظر إلى المصلين بابتسامة وقد يوزع الحلوى على الأطفال فى بعض الأحيان، يُرشد المصلين إذا تجاوزوا بالإشارة ولايتكلم الا إذا لزم الأمر فعلا، ولاتكاد تسمع صوته حتى إن كان يتكلم بجانبك، يساعد مَن يحتاج إلى مساعدة ولكنه صارم فى منع تناول الطعام وكل ما يهدد النظام. والنتيجة رائعة: شعور بالسكون والرهبة ودعاء بدون تشتيت. مجرد اقتراح للدراسة، إن كان هناك مَن يهتم، أن يكون فى جوامعنا، على الأقل تلك التى تشهد زحاماً أكبر من غيرها والجوامع المرتبطة بآل البيت، مجموعات من المرشدين تحت إشراف وزارة الأوقاف أو الأزهر، تكون مهمتهم الإرشاد للحفاظ على هيبة وقدسية المكان.
وليكون عملهم ذا فائدة، يجب أن يقوموا به من القلب، برغبة صادقة ووعى عميق، لامجرد وظيفة والسلام. لذلك لابديل عن المتطوعين، وأنا على يقين أن الآلاف من الشباب المصرى الواعى سيسارعون إذا تمت دعوتهم، كما أننى على يقين أن أول ما سيقومون به هو تقرير للمحليات والمحافظ ووزير الأوقاف والأزهر يطالب بإزالة مشهد مؤذ للعقل والقلب، هو مشهد بدل الرقص الشرقى المعلقة على مسافة طويلة فى مقابل المدخل الجانبى لجامع الحسين. رمضان كريم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة