عندما كتبت عن قصة القس المزعوم تيرى جونز الذى دعا لحرق القرآن الكريم، وتراجع مؤقتا. كان القصد هو التأكيد على أن العقليات المتطرفة والعنصرية والإرهابية، واحدة فى كل العقائد. وأن الهوس الدينى يصور للبعض أنهم أفضل من غيرهم أو أعلى. وهى أفكار موجودة فى كل العصور، عندنا مثلما هى فى الغرب.
نراها فى الصراعات الدينية والطائفية والمذهبية التى تتفنن فى نشر الكراهية تحت تصور أنانى والعقليات الطائفية والعرقية من نوعية القس جونز تسجن نفسها فى تصورات ونصوص تحاول تفسيرها بشكل واحد وتريد أن تحكم المستقبل بالماضى.
المسلم المتعصب لا يرى غير نفسه ومعتقده، لو كان سنيا سيكره الشيعة، وإن كان شيعيا سيكره السنة، عشرات الطوائف والمذاهب، وكل منهم يقدم نصوصا، يفسرها حسب أهوائه، ويظن أنها الحقيقة. ولا يرى سوى نفسه. وبالطبع إذا كان مسلما سيكون كارها للمسيحيين والعكس. ولو كان مسيحيا مثل القس جونز وأمثاله، فسوف يكره المختلفين معه فى المذهب، أو فى الدين وترى كراهيته للإسلام، رغم أنه لا يقدم دليلا سوى عن مسلمين مختلفين معه.
تلقيت تعليقات على بريدى أو على المقال تكشف عن العقلية الكارهة، التى تعبد النص ولا تعبد الله.
القضية أكبر من مجرد رجل مهووس يريد حرق القرآن، وهو كتاب مقدس لدى مئات الملايين من البشر، بل قضية عقول أغلقت ولا تمتلك استعدادا لتقبل الآخر.
الهوس العقلى والتطرف والعنصرية ليس لهما حدود، ولا علاقة لهما بالدين أو الإيمان.
وأشخاص مثل ألكسندر فينز قاتل مروة الشربينى أو جونز المهووس كلاهما نتاج أفكار بدائية تقدس النص القديم وتريد أن تحكم الحاضر بالماضى، دون تفرقة بين الأصل والفرع أو الدين والدنيا. المتعصبون يظنون أنفسهم متدينين وهم فى الواقع مهووسون.
وكنت أتصور أن المسلمين يمكن أن يستغلوا الحملة لإعلان رفضهم للتعصب والعنصرية، ويقدموا الصورة الصحيحة للإسلام التى لا يمكن إنكار أنها تأثرت بسبب بعض المتطرفين.. لكنى وجدت تعليقات على قديمة يتقلد مطلقوها سمت العالمين بكل شىء، ويرددون كلاما مكررا ومستهلكا عن أن أمريكا اعتادت أن تضربنا على قفانا وأنها تعادى الإسلام ابتداءً، وأن مليار مسلم لم ينتفضوا،أما البعض فأعلن أن أمريكا ستلقى نهايتها قريبا، مع أن هزيمة أمريكا لا تعنى انتصار العرب أو المسلمين لأنهم يهزمون أنفسهم ويخاصمون الحضارة ويواصلون تخلفهم سواء بأنظمة متسلطة أو جماعات تعبد النصوص وتقاتل بعضها وتنشر الكراهية.
والبعض يطالب بالدعاء على أمريكا، دون أن ينتبه إلى أن المسلمين يدعون على أمريكا وإسرائيل طوال الوقت ولا يعلمون أن الله لا يجيب المتقاعسين والمتخلفين والجهلاء.
هناك من يرى أن جونز هو الوجه الحقيقى للغرب وللتعصب الدينى وتاريخهم الطويل معنا، هؤلاء يكررون نصوصا لا يفهمونها أو يضعون لها تفسيرا وفهما واحدا.
ولا تعرف من أين يأتى هؤلاء بكل هذه الثقة فى أننا أقوياء وأن العالم يجب أن يسمع لنا، ونحن ليس لدينا ما نقدمه سوى الكلام المعاد والمكرر، ونرفض أن نسمع لبعضنا. ولا نريد الاعتراف بأننا خارج التاريخ والحضارة، والإسلام عندما قامت دولته قدمت للإنسانية مع الأفكار والأخلاق قدمت العلم والتحضر، لكن الآن نرى الكراهية بين المسلمين وبعضهم، وغيرهم، مع أنهم يصلون معا ويجتمعون معا لكنهم يكفرون بعضهم بعضا، ويكرهون بعضهم بعضا، ويفعلون هذا بالنصوص والتفسيرات، بينما الغرب الذى يعادينا كما يرون قدم أفكاره عن العدالة واحترام الإنسان والتسامح، وحتى لو كان لديهم متعصبون وعنصريون، فلدينا مثلهم وأقسى منهم. وبعض عنصريتهم رد على سلوكيات مسلمين سافروا للغرب وحصلوا على حقهم كمواطنين بأكثر مما حصلوا فى بلادهم، ومع هذا دمروا أو مارسوا العدوان بدعاوى الفتح والغزو. وهى أفكار لا علاقة لها بالإسلام، بل إنها تسىء إليه، أغلب معاركهم حول الطعام والشراب والملابس لا معركة واحدة عن العلم أو الحقوق الإنسانية.
عبيد النصوص هنا وهناك هم من يزرع الكراهية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة