اليوم تمر الذكرى التاسعة على تفجيرات مركز التجارة العالمى بنيويورك فى 11سبتمبر 2001، التى أثبتت الأيام والحسابات السياسية، أنها أكبر كارثة حلت بالعالم العربى منذ هزيمة 1967.
صحيح أن التفجيرات قد وقعت فى نيويورك على بعد آلاف الأميال من السواحل العربية، وصحيح أن مشهد اختراق الطائرات لمركز التجارة وانهياره قد أرضى الكثير من الغاضبين عندنا، الذين ساءهم الانحياز الأمريكى لإسرائيل فى عدوانها على العرب واحتلالها أراضيهم واعتبروا ما حدث عقابا إلهيا للمارد الأمريكى الظالم، لكن الغاضبين المهللين عندنا لتفجيرات 11 سبتمبر سرعان ما أفاقوا على أن المارد الأمريكى وفور انقشاع غبار مركز التجارة العالمى تحول بغضبه وقوته المفرطة ناحية الشرق العربى الإسلامى، وأصبح العالم العربى من المحيط إلى الخليج فى بؤرة مدافع طائرات الشبح وقاذفات بى 52 العملاقة وتحت أقدام المارينز.
وإذا كانت هزيمة 1967 قد كسرت حلم القومية العربية إلى الأبد، وأطاحت بفكرة الدولة القائدة القادرة على حشد قوى ومقدرات الدول العربية من المحيط للخليج فى اتحاد يقوم على المشتركات الثقافية والحضارية، يوازى اتحاد الفحم والحديد الذى قامت عليه أوربا، فإن هجمات 11 سبتمبر قد رهنت المستقبل السياسى والاقتصادى للدول العربية مجتمعة وفق المشيئة الأمريكية دون وجود أى هامش من المناورة أو التفاوض ناهيك عن الرفض.
من ناحية ثانية بلورت هجمات 11 سبتمبر ملامح العدو الجديد كما يريده الغرب السياسى والثقافى، كنا فى لحظة انحسار الخطر الشيوعى الأحمر بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وكانت كتابات برنارد لويس وصمويل هنتنجتون عن الخطر الإسلامى الأخضر الذى يهدد العالم، بمثابة المدافع التى تمهد الميدان أمام قوات المشاه الغازية، وجاءت 11سبتمبر لتدمغ المسلمين جميعهم بالإرهاب، وتضع كل عربى فى موضع المشتبه به.
إدارة بوش الابن انتزعت نسخة من مفاتيح السيادة على الأراضى العربية التى أصبحت موظفة دون قيد أو شرط لخدمة العمليات الأمريكية ، كما أصبحت الأرصدة العربية حول العالم مقيدة رهن الاستخدام الأمريكى ولا يختلف الحال بالنسبة للثروات النفطية وغير النفطية، فهل تغير الحال بعد مرور 9 سنوات على هجمات 11 سبتمبر؟ هل تحركت الدول العربية لاستيعاب الكارثة والنجاة بثرواتها وإرادتها وسيادتها؟
الواضح بعد 9 سنوات من 11 سبتمبر، وبعد تغيير إدارة بوش الجمهورية بأفكارها المستمدة من لويس وهنتنجتون والمتحاملة على العرب والمسلمين، إلى إدارة أوباما الديموقراطية ذات النزعة التصالحية المعتدلة لم يتغير الكثير فى خريطة الصراع الحضارى بين الغرب المسيحى الذى تعيش فيه أقليات مسلمة وبين الشرق العربى الإسلامى الذى يضم أقليات مسيحية، ورغم دعوات أوباما المتكررة للتفرقة بين القاعدة كخطر إرهابى وعموم المسلمين إلا أن غالبية الأمريكيين مازالوا ينظرون إلى المسلمين باعتبارهم إرهابيين، كما انتشرت جماعات التطرف العنصرى المعادية للإسلام والمسلمين فى أوربا بصورة غير مسبوقة ، وصلت إلى المطالبة صراحة بتدمير المسلمين أو طردهم، وتكرست شيئا فشيئا صورة نمطية للعربى المسلم هى خليط من العنف والقسوة والعداء للحضارة والمدنية، صورة منفرة يمتزج فيها القبح الظاهرى بالقبح الثقافى غير المحتمل بالنسبة للدول المتقدمة.
الشرق العربى المسلم لم يستثمر الكثير فى تغيير الصورة النمطية السيئة للعربى المسلم ولم يقدم كذلك الكثير من المنجزات العلمية والحضارية التى يمكن أن تسهم فى تغيير تلك الصورة، وظل يراوح مكانه كإحدى بقاع الأرض الفقيرة حضاريا والمتخلفة سياسيا وتكنولوجيا، واكتفى سياسيوه بالترويج للماضى الذهبى للأجداد، ومن هنا تأتى الذكرى التاسعة لأحداث 11 سبتمبر ونحن مازلنا أسرى المربع رقم واحد الذى تم حشرنا فيه منذ 2001 ، وما زلنا نستقبل الغضب الغربى والرفض الأمريكى العنيف على كافة المستويات.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة