بدأت فى اليومين الماضيين الكتابة عن إبراهيم باشا ابن محمد على والى مصر وذلك من خلال "مذكرات نوبار بوشا" الصادرة عن دار الشروق.
يستكمل نوبار باشا سرد ما رآه على وجه إبراهيم باشا، وما سمعه منه وقت أن سافر معه إلى مدينة لوكوكبى الإيطالية للعلاج ثم انتقاله منها إلى باريس، وذلك تأثرا بطبيعة الحياة وما وصلت إليه من تقدم فى أوربا، وحسرته على أن هذا التقدم ليس فى مصر.
يقول نوبار باشا، إنه رأى هذا الرجل (إبراهيم باشا) الذى أشعل النار وسفك الدماء فى المورة يبكى عند رؤية الريف فى ضواحى مدينة أجين، وكان هذا المشهد غير منتظر لدرجة أن نوبار أرجع هذه الدموع إلى آلام عضوية انتابت إبراهيم باشا فجأة، وفيما يبدو أنه قرأ هذا الإحساس على وجه نوبار فقال له: "لا.. أنظر كم هى جميلة".
كان نهر الدوردونى الذى ينساب وسط السهول والمزارع الخضراء، وعلى شاطئيه المحصولات الغنية بالخير والرخاء، هو السبب فى بكاء إبراهيم باشا، ولكن لماذا؟.
الإجابة تأتى على لسان إبراهيم الذى أكمل حديثه لنوبار قائلا: "إنى أبكى لأنى أرى هذه البلاد تنعم بالرخاء بينما مصر تعانى من البؤس على رغم أن أرضها أكثر خصوبة، سوف أغير كل ذلك إذا أمد الله فى عمرى".
يعتبر نوبار باشا أن كلمات إبراهيم السابقة جميلة وتعبر عن أحاسيس نبيلة، لكنه يتساءل: "هل سيترك له جشعه وحبه فى التملك الفرصة ليحقق نواياه؟، ويضيف، "إن فكرة مصر البائسة تحت يد والده القاسية كانت تطارده"، ويحكى قصة أخرى تستكمل ما سبق، يقول فيها إنه فى خلال رحلة إبراهيم باشا الثانية إلى أوربا وفى مدينة بيزا الإيطالية سنة 1847 قام رسام برسم صورة شخصية له، يقول نوبار إنها موجودة الآن فى قصر رأس التين( أى وقت كتابة المذكرات)، والصورة عبارة عن بورتريه يظهر فيه إبراهيم جالسا بينما يقف نوبار عن يمينه وأخيه عن يساره، وكان إبراهيم فى هذه الفترة مصابا بحالة من الهذيان تنتابه من آن لآخر بشكل غامض.
وبينما كان الرسام مشغولا بعمله، وقف إبراهيم فجأة فى أثناء إحدى جلسات الرسم، وكما يقول نوبار، كأن زنبركا قد قذفه ثم ضرب بكفيه على مقبض مقعده وقال صائحا: "لا لن أموت، لقد خلقنى الله لخير مصر ولجعلها غنية، وكى يعم الرخاء فيها، لن يكون من الإنصاف أن يدعونى الرب إلى جواره قبل أن أعيد الحياة إلى مصر وأجعلها سعيدة"، ثم جلس مرة أخرى فى منتهى الهدوء دون أى مقاطعة ليستأنف الرسام عمله.
استقبل الشعب الفرنسى إبراهيم باشا استقبالا هائلا فى رحلته الثانية إلى أوربا، ويقول نوبار إن الجموع احتشدت تحت نوافذ الفندق الذى كان يقيم فيه حتى صباح اليوم التالى، وكانت الجموع تسرع نحو موكبه فى كل مرة يخرج فيها من قصر الإليزيه أو يدخل إليه.