محمود طرشوبى

لعبة المصطلحات والتضليل الإعلامى

الأحد، 19 سبتمبر 2010 07:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اعتادت وسائل الإعلام الغربية على استخدام مصطلحات تراعى فيها مصالح ووجهات نظر الغرب عند الحديث عن أى خبر يختص بشئون العالم الإسلامى، فقد تابعت على مدى سنوات طويلة أن توصف العمليات التخربية لمنظمة إيتا بأسبانيا على أنها عمليات إرهابية فلم يحدث وكان دائماً توصف هذه العمليات بأنها عمليات من أجل الضغط على الحكومة الأسبانية للانفصال بإقليم الباسك، رغم أن مصطلح العمليات الإرهابية يطلق فوراً لو وقع فى أى بلد آخر، أيضاً لم تطلق أى وصف مخالف على جبهة البوليساريو فى الصحراء المغربية نظراً لأن هذا الانفصال يحدث على رغبة الغرب ووسائل إعلامه، بالرغم أن حماس والجهاد تنطلق من نفس الهدف وهو إقامة دولة للفلسطينين والقيام بعمليات مسلحة تستهدف الدولة اليهودية وبالرغم من تشابه الأهداف فإن التوصيفات اللغوية تختلف تبعاً لمصلحة الغرب خاصة وإن كثيرا من الميديا الغربية من صحف وو كالات أنباء وقنوات تلفزيونية يمتلكها يهود.

إن قضية الدس الصهيونى وتسلل الإسرائيليات المزورة عبر المصطلحات المزيفة إلى لغتنا العربية بشكل عام وإلى اللغة السياسية والإعلامية بشكل خاص، هو من أهم القضايا التى يجب أن يتنبه لها الإعلام العربى.

لقد وجدنا البعض منا يتداول كلمات ومصطلحات عبرية تم نقلها ودون تدقيق وتفحص عن الغرب تارة وعن الدولة الصهيونية مباشرة تارة أخرى، فصارت – مع الأسف- شائعة ومتداولة ومستساغة –أو كادت- عند بعض الساسة والمثقفين أو مدعى الثقافة العرب عن جهل أو تجاهل أو عن تفاخر وادعاء بالمعرفة والإلمام بلغات الآخرين.

فمصطلح الشرق الأوسط على سبيل المثال هو – باعتراف الجميع- مصطلح دخيل، لكنه قد فرض نفسه- بعد أن فرضته القوى الغربية الاستعمارية الكبرى- وحتى عندما يتناول بعض الكتاب القوميين قضايا الصراع العربى الإسرائيلى فلقد تسرّب مصطلح الشرق الأوسط إلى كتاباتهم وأصبح أمراً عادياً، وروتينياً خاصة إذا ما تناولوا الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع.. وينطبق الشىء نفسه على محاولات فرض نظام شرق أوسطى جديد أو كبير أو موسّع ثم مصطلح سوق مشتركة فى المنطقة.. والمؤسف أننا قد ابتلعنا كل ذلك على حساب اختفاء مصطلحات مثل "الأمة العربية" أو "الوطن العربي"، أو "القضية الفلسطينية".. التى حل محلها الصراع العربى الإسرائيلي، ثم النزاع الفلسطينى الإسرائيلى، وأخيرا اختفت إلى الأبد كلمة فلسطين وأصبح يطلق عليها الضفة الغربية وغزة، وهو أمر يثلج كثيرا صدر إسرائيل، التى تريد أن تختفى فلسطين (جغرافياً) من على الخرائط، كما تختفى –بالتوازى- من العقول والذاكرة العربية برمتها‍‍‍‍‍‍‍! إن البعض منا لم يُقدر بصورة عميقة أن الهدف الصهيونى هو تثبيت هذا الدس المصطلحى والرطانة اللغوية المنقولة فى العقل والوجدان وعلى طرف اللسان العربى تعميقا لما يسميه ثقافة السلام والتطبيع والتعرف على الهُوية والثقافة اليهودية واللغة العبرية.

والأغرب من ذلك أننا – كما يقول أحد المفكرين العرب – قد أدمّنا عملية نقل المصطلحات دون إعمال الفكر أو اجتهاد ودون فحص أو تمحيص حتى أصبحت العلوم الإنسانية عندنا (عقلها فى أذنيَها).. تنقل آخر ما تسمع بكل (أمانة) و"موضوعية" تبعثان على الضحك!

إن الإصرار على استخدام مصطلحات مضللة للتأكيد على خلق واقع جديد ومتابعة الإعلام العربى عن ذلك بقصد أو عن جهل لهو مساعدة منا فى المساعدة على تنشئة جيل جديد يجهل تماماً الواقع الصحيح لأمته وقضاياه فاستخدام كلمة "إيلات" وهى فى الأصل ميناء العقبة الإسرائيلى المحتل للتأكيد على أنها أرض يهودية ولا علاقة لها بالعرب وبالمثل يقال عن الانتحاريين وهو تعبير خاطئ عن الاستشهاديين، وحرب يوم الغفران والمقصود بها حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 حيث تزعم إسرائيل أنها حرب "يوم الغفران" أو يوم كيبور، باللغة العبرية.. وقد لوحظ أن بعض الصحفيين العرب يستخدمون هذه الكلمة العبرية (يوم كيبور) دون إشارة إلى حرب أكتوبر ظنا منهم أن فى ذلك دليلاً على سعة الأفق، وزيادة فى المعلومات!.. والشىء نفسه ينطبق على تزييفات من نوع الحديث عن الحركات الأصولية الإسلامية باعتبارها حركات إرهابية.. فالإسلام هو الإرهاب.. والربط بين المسلمين والإرهابيين.

للأسف الشديد- واقعنا العربى الذى يعيش حالة من الكسل الفكرى غير مسبوقة فى تاريخه، فهو من ناحية ينقل نقلاً حرفياً المصطلحات الفكرية والكلامية دون إعمال للفكر أو التمحيص بحيث أصبح ضحية لهذه المصطلحات المشبَّعة بدلالات خطيرة باتجاه الكذب، وتزييف الواقع وتزوير الحقائق. فتجعل الحق باطلاً، والباطل حقا!.. ومن ناحية أخرى لم يحاول قط إدخال مصطلح عربى واحد إلى لغة "الآخر" سواء كان غربيا أو عبريا، واكتفينا بابتلاع المدسوسات فى إعلامنا (وخطابنا الإعلامى على وجه الخصوص) بحيث أصبح عسيراً التمييز بين صحيفة يدعوت أحرونوت الإسرائيلية، والصحف العربية.. فالمصطلحات المستخدمة فيها جميعا أصبحت (واحدة) والمدلولات الموحية بها تكاد تكون متشابهة وهو ما يجعلنا نصرّ بأننا خسرنا -ولا نزال- نخسر معركتنا الإعلامية مع إسرائيل والغرب بشكل عام.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة