د. بليغ حمدى

الأسد والفأر.. وحرق المصحف

الإثنين، 20 سبتمبر 2010 07:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان يا ما كان، فى سالف العصر والأوان، أن فأراً يدعى حيران، سار يحكى فى الغابة أنه ذاهب للأسد كى يصفعه على وجهه، وكلما حكى للمارة من حيوانات وبشر وأشجار وأنهار، تعجبوا من قوله هذا، فمنهم من استهزأ بحكايته الطريفة، ومنهم من حذره من فعلته التى سيقبل عليها بغبائه، ومنهم من لم يرد عليه من الأساس.

وكلما اقترب من صرح الأسد العظيم تتأجج الفكرة فى رأسه غير مبال بنصائح من قابلهم، ونسيت أن أذكر لكم أن الفأر وهو يسير إلى عرين الأسد كان بصحبة بعض الفئران والجرذان الصغيرة الجسم والعقل أيضاً، وكانوا يهللون له وبه فرحاً وطمعاً وكراهية، فرحاً لأنهم يظنون أن هذا الحيوان الصغير باستطاعته صفع الأسد الكبير العظيم على وجهه، وطمعاً لأن فى ذلك انكساراً للأسد وكافة وحوش الغابة القوية وهذا سيعطيهم حقاً فى الحياة بمنأى عن قوة وبطش الأسد وأعوانه.

والكراهية تأتى من قلوبهم أنفسهم، فهم يعلمون ويفطنون أن الفأر الصغير لا ولن يستطيع صفع الأسد الكبير، فهم يتمنون القضاء عليه، أو حتى الاستهزاء به والسخرية منهم حتى لا يصير رئيساً أو زعيماً عليهم.

واقترب جمع الفئران شيئاً فشيئاً من عرين الأسد، وكانوا يظنون أن هذا العرين يحرسه العديد من الأسود الضارية الكاسرة المتوحشة، لكنهم لم يجدوا ذلك، وكانوا يظنون أيضاً أن هناك بوابات كبيرة وأسواراً عالية شاهقة تحيط بعرين الأسد، لكنهم أيضاً لم يجدوا ما ظنوا به.

وحينما اقترب الفأر الصغير وجمعه من العرين اكتشفوا من لم يخطر على بالهم وما لم يطرأ بأذهانهم القاصرة المحرومة من نعمة التفكير والتحليل والنظر البعيد، فلقد وجدوا فى بادئ الأمر الأسد العظيم خارج عرينه ينظف المكان ويعتنى به وبترتيب أركانه ومحتوياته، ثم اختلسوا النظر فوجوده يذهب نحو النهر البعيد ليغتسل وينظف جسمه من عملية الترتيب تلك، فهم لا يعرفون طريق الماء إلا إذا هاجمهم قط صغير أيضاً فيقفزون فى أى مكان وأى سبيل يابساً كان أم ماءً آسناً.

ووسط ما يشاهدونه ارتفعت أصوات الفئران الصغيرة تدفع هذا الفأر كى يقتحم عرين الأسد ويقفز على وجهه فيصفعه صفعة قوية مدوية، وأصبحوا يتصايحون ويصرخون عالياً، ورغم ذلك يتعجبون من عدم انتباه والتفات الأسد لجموعهم الغفيرة وأصواتهم التى تبدو عالية بالنسبة لهم فقط.

وفجأة بدأ الفأر الحيران يتمايل وخطو خطىً وئيدة فى ثقة نحو عرين الأسد معلناً لأصحابه أنه قادم للأسد ليصفعه على وجهه ويطيح به أرضاً، وأخذ الفأر يقفز عالياً كى يراه الأسد العظيم لكنه لم ينتبه لوجوده لصغر حجمه ومكانته، ولم يسعف عقل الفأر ليجد وسيلة كى يلفت انتباه الأسد سوى أن يقف على شجرة بجوار العرين، فقفز عليها ثم أخذ يتحرك بين أغصانها وفروعها وورودها ويهزها هزاً.

وحينئذ انتبه الأسد العظيم لما يحدث، ولحسن الحظ والطالع كانت شجرة تفاح، فأخذت ثمار التفاح تتساقط على الأرض أمام قدمى الأسد العتيق، ولأنه لا يأكل التفاح فأخذ يجمعها لصغار الحيوانات بالغابة باعتباره ملكها وسيدها وولى أمرها. ثم وجد الأسد العظيم الفأر يتخبط وسط فروع الشجرة الكبيرة، فمد يده الكبيرة نحو الفأر يلتقطه من أشواكها وأغصانها المدببة الحادة، حتى وضع الفأر على راحته الكبيرة، وقال له فى عزة الملوك : ماذا تفعل يا فأر بين الأغصان ؟

فقال له الفأر : لقد جئت وسط أنصارى وأصحابى ورفقائى كى أصفعك على وجهك؟ وهنا لم يغضب الأسد ولم يصيبه هوس القوة والعظمة، فهو يعلم أنه الملك وأنه سيد هذه الغابة، ويخشاه الإنسى العاقل المفكر قبل الحيوان المفترس، بل ابتسم ابتسامة الواثق من قدراته وإمكاناته واستعداده للقتال والمواجهة، وقال له : تصفعنى أنا ؟، قال له الفأر : نعم.

فأشار له الأسد بأن وجهه كبير ويملأه عظم قوى شديد، ويخشى أن يصيب يد الفأر بسوء فيصبح عاجزاً عن الكر والفأر والحركة، ولكن هذا ليس السبب فى تعجب ملك الغابة من فكرة الفأر، بل قال له فى نبرة تملؤها القوة والعزة والعظمة ورباطة الجأش : انتظر طويلاً أيها الفأر حتى تكبر يداك فتناسب مساحة وجهى الكبيرة فتقدر على صفعه. فتعجب الفأر من اقتراح الأسد، وقال له أنه صغير الحجم من الميلاد حتى الممات ولن تكبر يده أبداً بحجم وجه الأسد.

فقال له الأسد: إذن انتظر قليلاً حتى يصغر وجهى الكبير فيناسب يدك الصغيرة الضئيلة ! وهنا أدرك الفأر الصغير أنه لا طاقة له بالسد الكبير لا قوة ولا حجماً ولا حيلة ودهاءً، وأنه لا بد من اصطناع القوة فى ميدان آخر غير ميدان الملوك، كما أنه أدرك أن المتظاهرين معه من الفئران قد انفرقعوا، أى تفرقوا بعيدا بمجرد أن التقط الأسد الفأر الصغير ووضعه على راحته الكبيرة، فظنوا أنه سيفترسه بأسنانه، لكنه لم يفعل. ومضى الفأر وحيداً لا يملك للقوة حجةً ولا يسعى فى الرياسة مجداً. انتهت الحكاية.

والقصة السابقة من تأليفى ونسج خيالى وإن كانت تتطابق مع الحكايات والقصص التى سمعتها من أمى وأنا صغير ألهو دونما هوية، لكننى حينما كبرت وصرت يافعاً وأحسب أنى نافع أدركت أننى من الأفضل أن أتبع سياسة الأسد العظيم وهو يتعامل مع الفأر الصغير فى مسألة تصريحات القس تيرى جونز رئيس كنيسة (دوف وورلد أوتريتش) فى ولاية فلوريدا تحديداً فى مدينة جينسفيل، والتى أعلن فيها أنه سيقوم بحرق المصحف الشريف فى ذكرى هجمات 11 سبتمبر من العام الحالى.

وأنا على يقين مستدام بأن هذا رأيه وحده، بل ورأى بعض الموتورين أمثاله وليس رأى رجال الدين المسيحى بصفة عامة، ورجال الدين المسيحى فى مصر الذين يؤسسون لبناء هذا الوطن مع شركائهم المسلمين، ومعظم رجال المسيحية فى مصر إنجيليين وأرثوذكس وكاثوليك أعلنوا رفضهم لمثل هذه التصريحات المعادية والمتطرفة للإسلام الذى أعلى من شأن الإنسانية والعقل معاً.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة