الفساد فى المحليات للركب، على رأى الدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية وعضو مجلس الشعب، وتقارير الهيئات الرقابية والتشريعية تؤكد ذلك، وتكشف عنه بشكل دورى وتعرى أبطاله.
والسؤال المحير الذى تعب منه الخبراء وأرهق الباحثين هو: لماذا انتشر الفساد فى المحليات إلى هذه الدرجة؟ وهل لظاهرة الفساد فى المحليات علاقة بتنظيم المحليات؟ وما الإجراءات الواجب اتخاذها بالنسبة لنظام الحكم المحلى للحد من الفساد ومحاصرته؟
آلاف من المخالفات والقضايا الجنائية التى تتناول مظاهر هذا الفساد ووقائعه، أدين فيها عاملون ومسؤولون بمختلف مستويات الإدارة المحلية، من بينهم بعض المحافظين.
لكن أحياناً تنجح بعض التجارب الشخصية فى المحليات، وهو ما يجعل السؤال أكثر حيرة، فلماذا تنجح هذه التجارب رغم ندرتها - فى الإدارة المحلية دون ضجيج وزفة إعلامية، ويحتفى بها الناس كأنها أمر خارق يفوق قدرات البشر، وكأن الذى يؤديه هو مسؤول يغرد خارج سرب طيور الظلام فى عشش الفساد.
بعض هذه التجارب الناجحة كان من بين رموزها اللواء محمد عبدالسلام المحجوب، وزير التنمية المحلية الحالى، عندما تولى منصب محافظ الإسكندرية لمدة 9 سنوات منذ عام 97 وحتى 2006، واستطاع أن يعيد لعروس البحر المتوسط بريقها ورونقها، وأصبح مثالا لرجل الدولة الحقيقى الذى سبح ضد تيار الفساد، وغلبه وأنقذ المدينة من براثن الإهمال على مدار السنوات السابقة له، وحقق نهضة مشهودة فى العاصمة المصرية الثانية، وبجهود ذاتية من أبناء المدينة، ومازالت أحياء الإسكندرية وكورنيشها الرائع تتذكره بكل خير، ومازال الإسكندرانية يتذكرون أيامه، فقد أطلقوا عليه لقب المحافظ عبدالسلام «المحبوب»، رغم أنه لم يسلم من الهجوم والانتقادات التى أرادت أن تقلل من نجاحاته.
النموذج الثانى فى نزاهة الإدارة المحلية كان اللواء عادل لبيب، محافظ الإسكندرية الحالى، عندما كان محافظاً لقنا، والذى نال عن مجهوداته فى تطويرها جائزة الأمم المتحدة للسلام والتنمية لعام 2006 تقديراً من المنظمة الدولية لشخصه، ولإدارته الحضارية الرائدة لمحافظة قنا التى مكنته من تحقيق النجاح والتميز فى مجال الإدارة المحلية.
أما النموذج الثالث والناجح الذى شاهدته خلال تواجدى فى مدينة سفاجا فى محافظة البحر الأحمر الأسبوع الماضى فهو اللواء إبراهيم منصور، رئيس المدينة، والذى أحدث خلال عامين فقط تغييراً شاملاً فى المدينة على جميع المستويات، وكان خجولاً للغاية عند الحديث عن إنجازاته، فهو رجل عسكرى يؤمن بالالتزام والانضباط والتفانى فى العمل، وما شاهدته فى تلك المدينة السياحية الصغيرة يستحق الإعجاب والإشادة بالفعل رغم أحلام اللواء إبراهيم الكثيرة فى التطوير والتنمية، والتى يدعمها المحافظ اللواء مجدى قبيصى.
نماذج مضيئة ومشرفة لعدد قليل من المسؤولين وسط برك الفساد السوداء التى غاصت فيها ركب المحليات، فالصورة ليست قاتمة تماماً، ولكن لماذا نجح هؤلاء وفسد غيرهم؟