أثار مسلسل الجماعة الذى عرض فى قنوات تليفزيونية مختلفة أرضية وفضائية، جدلا عنيفا بين الإخوان بشكل خاص، وكاتب المسلسل السيناريست الكبير وحيد حامد، غير أنه ترك أيضا اهتماما لدى دوائر ونخب أخرى سياسية وفكرية، أدلت بدلوها فى أبعاد العمل الدرامى الذى تناول رصدا تاريخيا لجماعة الإخوان, والحقيقة أن الكاتب الكبير وحيد حامد يستحق أن تثار حوله أو حول أعماله زوابع، وتلقى اهتماما جماهيريا ونخبويا واسعا، فالرجل محترف قدير فى فن البناء الدرامى والحبكة القصصية، يملك قلما رشيقا يمتلك زمام المشاهد فى متابعته لأعماله، حتى لو اختلف معها مسبقا، فهو بحق صاحب رؤية فيما يكتب، يتميز عن كثيرين قد يكتبون للتعايش وإثبات التواجد، أو لمجرد ممارسة الكتابة، وحيد حامد يكتب ويشتبك مع قناعاته، ويشتبك أيضا مع قناعات خصومه.
ولا شك أن هذا الجدل الدائر حاليا بعد انتهاء عرض الجزء الأول من المسلسل - الذى أشك كثيرا فى إمكانية عرض أجزاء أخرى له على الأقل فى التليفزيون المصرى الرسمى يفتح الباب لندير حوارا موسعا أتمنى أن تفسح له «اليوم السابع» ندوة موسعة فى مقرها، ومع كتابها ومجموعة من كُتاب الدراما والمفكرين ،حول كيفية تعامل الدراما التليفزيونية أو السينمائية مع ملف الجماعات الإسلامية، أو ما قد يطلق عليه البعض التطرف والإرهاب، وبالجملة يلزم التطرق إلى كيفية تناول الموضوعات الدينية فى وسائل الإعلام باعتبار أن صناعة الوجدان وتكوين ثقافات المجتمع وتوجيه العقل، هو من أهم ما يميز الدور الإعلامى، خصوصا من خلال المعالجة الدرامية والحبكة القصصية.
والإشكالية الأولى التى يمكن أن تعترض مثل هذا الحوار أو ذلك البحث، هى مدى حق الكاتب أو المبدع فى تناول ظاهرة مجتمعية من خلال منظوره الشخصى، أو عقيدته السياسية التى تتصادم بالضرورة مع عقيدة تيار سياسى آخر مناوىء له، فينفرد بالتنظير وصياغة عقلية المتلقى ووجدانه ضد هذا التيار أو ذاك، وهنا يكمن التصادم أو تتقاطع الرؤى، فأصحاب الأحداث التى يعيشونها ويمثلون فيها طلائع التيار السياسى أو الإسلامى أيا كانت مراكزهم، يختلفون مع الكتاب، لأنهم يرون أن التناول الإبداعى فيه تعرض لهم بالإسقاط السلبى، ولعل هذا الفارق يتبين بجلاء من اختلاف معنى اللوحة الزيتية التى يصنعها الفنان الرسام، ويتدخل فى صياغتها بخياله، ومعنى الصورة الفوتوغرافية التى ترصد المشهد دون تدخل، وفى هذه النقطة تحديدا يتسلح المنادون بضرورة انطلاق المبدع من خلال رؤية الشخصية، أنهم يتعاملون مع الواقع برؤاهم وهم يدقون ناقوس الخطر، بينما زعماء التيارات السياسية وأصحاب المواقف التى تكون محلا لإبداع الكتاب، يرون فى الأعمال الفنية أو كتابة الدراما التى تعالج قضايا فكرية خلافية استفزازا وشحنا للرأى العام، ومواقف مسبقة ضدهم، أو ضد المشروع الذى يحملونه، ومن ثم يرون ضرورة ألا تكتفى الدراما الواعية النابعة من الواقع المعاش برصد الظاهرة، وإنما يلزم أن تبحث عن الأسباب التى أدت إليها وتفتش فى الجذور، ومن هنا نكتشف أن كل أعمال الدراما سواء التليفزيونية أو السينمائية التى تعرضت لظاهرة الجماعات الإسلامية والتيار الاسلامى عموما ومن خلالها تطرقت لأزمة العنف أو التطرف، استهدفت بالنقد والتحليل كل العاملين فى مجال الدعوة الإسلامية، وأظهرت النموذج المتدين، إما شاذا، أو منحرفا، أو مجرما، وبدا هذا واضحا فى مسلسل العائلة وفيلم طيور الظلام للكاتب وحيد حامد، وأيضا فى فيلم الإرهابى للكاتب لينين الرملى دون تقديم الرؤية الجادة التى يمتلكها السواد الأعظم من الاتجاه الإسلامى بروافده المتنوعة، المندمجة مع قضايا مجتمعاتها، ربما كانت الصورة بدرجة أخف قليلا فى أعمال الكاتب أسامة أنور عكاشة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم تتبن هذه الأعمال الدرامية الأسباب الاجتماعية فى تكوين الظاهرة، خاصة فى ظاهرة العنف التى لجأ إليها بعض الشباب من بعض فصائل الجماعات الإسلامية، لم تقدم تلك الأعمال الدرامية الوجه الآخر من الحقيقة، أو البند الثانى من أسبابها، فلم تشر من قريب أو بعيد إلى أثر انتهاك حقوق الإنسان وانسداد قنوات التفاهم، وما يحدث داخل السجون والمعتقلات من بطش وتجاوزات وحرمان قطاعات كثيرة منهم من حقهم الطبيعى فى التعبير عن آرائهم فى تكوين فقه التكفير، أو اللجوء إلى العنف، فالفن مرآة عاكسة لما يحدث داخل المجتمع من صواب وخطأ، ولا ينبغى أن يكتفى برصد الواقع كما قدمنا، وإنما يلزم أن يقدم الحلول والاقتراحات، ولا يغير من ذلك ما يدعيه البعض من أن ذلك الإسهاب مجاله التحقيق الصحفى الذى من طبيعته الإسهاب، وتقصى الأسباب وتقديم رؤية متكاملة، أما العمل الفنى فهو يعبر عن رؤية الكاتب الشخصية من خلال لقطة أو فلاش على الحدث أو الموضوع، لأن الكاتب المبدع هو ضمير المجتمع الذى يرصد الظاهرة ويحلل أسبابها، ويقدم الحلول من خلال لقطات سريعة الإيقاع لا تخل بحق الجميع الذين يعبر عنهم العمل الفنى، وهنا تثور شبهة مدى تأثر كتاب الدراما الذين قدموا تلك الأعمال التى عالجت قضايا العنف أو التطرف من خلال نماذج يقدمونها، منتسبة للتيار الإسلامى بالتوجيه الرسمى لدوائر السلطة، واتفاق سيناريو وحوار تلك الأعمال الدرامية مع ما تدعيه تلك الدوائر فى خصومتها مع التيار الإسلامى، وما تتضمنه مذكرات أجهزة الأمن فى قضايا العنف الدينى، أو مذكرات الاستيقاف الخاصة التى تتساند للأحكام العرفية.
صحيح هناك اختلاف جوهرى بين تناول ظواهر الجماعات الإسلامية التى مارست العنف، ودخلت فى صدام مسلح ضد الحكومات، وبين تناول تاريخ جماعة بحجم الإخوان المسلمين، لكن النتيجة فى الحالتين واحدة، الإسقاط على مرامى وغايات تلك الجماعات سلبا.
وأظن أن اشتباك الكاتب الكبير وحيد حامد فى أعماله بشكل متوسع مع الإسلاميين والنيل منهم، حسبما بدا ذلك واضحا فى العائلة، وطيور الظلام، وأخيرا الجماعة، يفتح المجال لتنامى الشكوك والهواجس التى تتردد حول «التسهيلات التى تقدمها له الجهات الأمنية» والتى ينفيها هو بصرامة وانفعال.
بون شاسع جدا بين تناول كتاب كبار فى عالم الدراما فى حجم نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، لتأريخ مراحل وحقب تاريخية، تعرضوا خلالها لكل القوى السياسية والدينية التى تواجدت فى حينه، رصدوا خلالها تفصيلات بالغة الدقة، دون أن ينالوا من حقها فى التعبير أو الاحترام اللازم لها وتاريخها الوطنى، وبين ما يكتبه وحيد حامد فى هذا الخصوص.
وأظن أيضا أن الموضوع لا تحتمله المساحة الممنوحة لقلمى، على وعد أن نواصله مرة أخرى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة