كل القوى السياسية والمزاج الجماهيرى تدعو إلى ما يسمى الإصلاح والتغيير، وهذا يعنى المطالبة بمزيد من الممارسة الديمقراطية الصحيحة والحقيقية، ونزاهة الانتخابات حتى يستطيع المواطن التعبير عن رأيه بحرية، وبذلك يكون مشاركاً فى اتخاذ القرار، والعمل على تطبيق مبدأ تداول السلطة، وتطبيق القانون دون مجاملة لوزير أو غفير، ناهيك عن مطالب غالبية الشعب المسحوق الذى يتمنى أن يجد قوت يومه وأن يصيب الشباب فيروس الأمل فى مستقبل إنسانى، فما علاقة ما نريده بالإصلاح والتغيير الذى يجب أن يلتف حول هذا الهدف الجميع وبلا استثناء، بتلك المهاترات الطائفية حول أسلمة سيدة أو تنصير آخر؟
وما علاقة قضية التحول هذه بأى أحد كان؟ فهى علاقة بين الإنسان وربه، والله وحده الذى سيحاسب الجميع، وما علاقة المؤسسات الدينية هنا؟ فهى ليست وصية ويجب ألا تكون وصية على البشر، ولكن تدخل تلك المؤسسات هو بهدف إثبات الوجود لدى النظام ولدى الآخر ولدى تابعيها، وهذا تدخل سياسى فى المقام الأول ولا علاقة له بأى ممارسة دينية أو روحية، فلا الكنيسة من حقها احتجاز أحد سواء كان يريد أن يسلم أو يتنصر، ولا من حق الأمن أن يسلم أحداً إلى الكنيسة أو غيرها ويتم احتجازه، فهذا مخالف للدستور وللقانون وللنظام العام بل الأهم أن هذا فيه مساس بهيبة الدولة.. لمصلحة من يتم هذا؟ ولماذا لا يتم بشفافية إظهار وفاء وكاميليا؟ ولماذا الإصرار من الكنيسة على غير ذلك؟ أتريد الكنيسة المداراة على فشلها الروحى الذى جعل أكثر من ثلاث نساء زوجات كهنة يحاولن الإسلام.
هذا المشهد العبثى تم من خلال ضغوط ومظاهرات وتهديدات بالداخل القبطى والخارج المهجرى الأمريكى، فماذا سيكون رد الفعل للآخر المسلم؟ لقد حذرنا من فعل هذا فى وقته، وكانت قضية كاميليا هى القشة التى قصمت ظهر البعير ليس موضوعاً ولكن ما هو متراكم فى النفوس، بل هو ذلك التراكم الطائفى المتزايد والمتصاعد بالفعل ورد الفعل، فكان الإصرار من الكنيسة بعدم إظهار وفاء وكاميليا، وكانت تلك المظاهرات غير المسبوقة فى المساجد والتى لم تهدأ بعد، وفى ظل تلك الأجواء الملتهبة والساخنة بل الحارقة، قد وجدنا الأنبا بيشوى يخرج علينا يوم الثلاثاء الماضى فى «المصرى اليوم» بتصريحات أقل ما توصف به أنها مستفزة وطائفية وخاطئة ولا علاقة لها برجل دين أو من يفهم فى السياسة أو حتى من يريد المعايشة والتعايش، بل هى تصريحات صدامية لا لزوم لها ولا علاقة لها بالواقع.
يقول بيشوى: «لن نجعل أحداً يتدخل فى كنائسنا، اقتلونى أو ضعونى فى السجن حتى تصلوا لهذا الهدف»، وهو هنا يراوغ ويخلط الأوراق، فمن قال إن المسلمين سوف يتدخلون فى شؤون الكنيسة؟ ومتى حدث هذا؟ ولكن خلط بيشوى الأوراق، فهو هنا يخلط بين الدينى والسياسى، فالحديث هنا عن عدم تدخل الكنيسة فى السياسة وفى شؤون الأقباط كمواطنين، ولا حديث فى تدخل فى شؤون الكنيسة من مسلم أو حتى مسيحى، ولكن الإحساس بالبطولة الكاذبة ودغدغة مشاعر الأقباط لكى يصل إلى ما يريد وعلى حساب الكنيسة والوطن.
ويقول أيضاً: «ألا يكفى أن الجزية فرضت علينا وقت الفتح العربى تريدون الآن أن تصلوا لنا وتقيموا الصلوات والقداسات» ويقول: «إن من يطالبون بذلك نسوا أن الأقباط أصل البلد وأصحابها، نحن نتعامل مع من جاء أنهم ضيوف حلوا علينا ونزلوا فى بلدنا واعتبرناهم إخواننا كمان عايزين يحكموا كنائسنا»، وبيشوى مازال يدخل فى الممنوع والخطير ويخلط كل الأوراق لهدف أقل ما يوصف به أنه أخطر من تلك التصريحات، فما علاقة وما توقيت الحديث عن الجزية هنا؟ وهل هناك جزية مفروضة الآن على المسيحيين؟ وهل يتم استدعاء التاريخ لهذا المنهج الطائفى الجاهل والمغلوط؟
وما حكاية أن مصر أصحابها المسيحيون فقط دون المسلمين؟ فهذا هذا المنهج يسير فى إطار الأجندة السياسية الصهيونية الأمريكية، كيف؟ سبق لتوماس أسقف القوصية أن قال مثل هذه السخافات فى 2008 فى معهد هدسون الأمريكى الصهيونى.. وبداية، كيف يمكن الحكم بأى طريقة علمية على حكاية أن المسيحيين أصحاب مصر؟ فهل المصرى الفرعونى الذى كان يؤمن بالديانة المصرية القديمة والذى اعتنق المسيحية، ثم اعتنق الإسلام، أليس هذا مصريًا ابن مصرى وجدوده من المصريين؟ وهل جميع المصريين المسلمين الآن جذورهم عربية ولا يوجد بينهم مصريون؟ ولو كان كذلك إذن لماذا الادعاء بأن الإسلام عندما جاء إلى مصر أجبر المسيحيين على اعتناقه بالقوة؟ إذن هناك مسيحيون مصريون أسلموا وهم مصريون يا سيد بيشوى، ثم من الذى قال إنك أنت تحديدا مصرى خالص.. فهل تعلم أن هناك اثنتين وخمسين غزوة حربية وثلاث هجرات جماعية «حسب جمال حمدان» أتوا إلى مصر والجميع تمصر وأصبح مصريا قلبا وقالبا.. والمصرى الذى يسعى إلى خدمة وطنه وأمنه وأمانه وليس الذى يحمل الجنسية وعينه على الخارج ويحتمى بضغوط الخارج ويهدد بأبناء الخارج. فهذه الفذلكات وهى تخريجات طائفية بغيضة ضد مصر والمصريين بل هى تصب فى صالح الأجندة الصهيونية. فمن يقول إن مصر للمسيحيين وقد جاء المسلمون والعرب واستولوا عليها.
وهو يقول مثل المدعو الأمريكى الصهيونى موريس صادق بتحرير مصر من الغزو الإسلامى، وتحرير أرض الميعاد من الغزو الفلسطينى والإسلامى، فهذا طرح صهيونى فى المقام الأول. وطرح فكرة أن مصر مسيحية يصب فى صالح أن فلسطين إسرائيلية وهذا منهج اليمين المسيحى الأمريكى المتهمين، فهل أصبحت تلك العقيدة السياسية الخطيرة هى عقيدة بعض رجال الكنسية مثل توماس وبيشوى؟ وأين موقف قداسة البابا؟ وهو الوطنى المصرى الذى فند بعلم الادعاءات الصهيونية بشعب الله المختار أو أرض الميعاد.
وأين موقف الكنيسة المصرية الوطنى والتاريخى على مدار العصور؟ ولماذا لا تتم محاسبة هؤلاء مثل ما وعد البابا بمحاكمة توماس للميس الحديدى ولم يف بالوعد؟ والأخطر كان هناك رد فعل على ذلك من د. سليم العوا قال فيه إن هناك سلاحاً فى الكنائس والأديرة، وهنا مع احترامى وتقديرى للدكتور العوا، حيث إنه صوت إسلامى عاقل وموضوعى، فإن هذا الاستدلال جانبه الصواب، فإذا كان هناك سلاح فقل على الدولة وعلى مصر السلام، فهذا بعيد تماما عن الواقع، والدور المتصاعد للكنيسة لا يصل لهذا الحد.. ومن يعلم بالسلاح عليه بالبلاغ، ولكن تلك التصريحات هنا وهناك لن تكون فى صالح أحد، والمناخ متوتر، وعلى النظام حسم الموقف وتطبيق القانون فلا دولة سوى الدولة ولا قوة سوى قوة الدولة، ومصر لابد أن تكون لكل المصريين.