عند توليه وزارة الاستثمار (التى فصلت خصيصا له) كان عمر الدكتور محمود محيى الدين 39 عاما، وقال وقتها- على مسؤولية مصباح قطب فى «المصرى اليوم»- إنه لم يكن يتمنى أن تأتى الوزارة مبكرا، وكان يريد مواصلة العمل العام وصولا إلى البرلمان، ثم تتويج المسيرة برئاسة الوزراء دفعة واحدة، وبعد الإعلان عن توليه إدارة البنك الدولى والمباركة الرئاسية، واعتبار مجرد ترشيح الفلاح العالمى للمنصب يعادل «نصف نوبل»- على حد تعبير عبدالله كمال فى روز اليوسف- لا أعرف هل هو سعيد بالمنصب الدولى الرفيع أم لا؟، ولكنى أتفق مع الدكتور جلال أمين، فى أن المنصب الجديد «أشبه بالنفى من مكان كان يعده بمزيد من القوة والسلطة».
المدير الجديد قال إن البنك تغير بدليل اختياره، مع أننا جميعا نعرف أنه خاضع منذ إنشائه لإدارة الحكومة الأمريكية وحكومات الدول الصناعية الكبرى، ثم تداخلت معهما فى السنوات الثلاثين الماضية مصالح الشركات العابرة للقارات، والبنك الدولى وصندوق النقد يعملان لصالح هذه الجهات.
الإعلام الرسمى صوّر للناس أن اختيار بديل لمفكر الحزب الوطنى الاقتصادى صعب للغاية، سيأتى وزير آخر، يدين بالولاء للنظام فى المقام الأول، وما أسهل العثور على غيره للقيام بالدور نفسه، إذ لا يحتاج الأمر فى الحقيقة- على حد تعبير أمين فى «الشروق»- إلى أكثر ما يطلبه الصندوق الدولى والبنك من قدرة لا بأس بها من الخطابة والتظاهر بالإيمان بفائدة هذه الطلبات للاقتصاد المصرى. دراويش الفكر الجديد اعتبروا أن وجود محيى الدين فى وزارة الاستثمار رفع تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر إلى 38 مليار دولار بعد أن كانت 2 مليار فقط فى 2004، وأن معدلات الاستثمار الخاص ترتفع سنويا بمعدل 40%، وتحول الأداء المالى لشركات قطاع الأعمال من خسارة بلغت 1.3 مليار جنيه فى 2002/ 2003 إلى صافى ربح 5.2 مليار فى العام المالى 2007/ 2008 (د. مجدى بدران فى «الجمهورية» الجمعة الماضى)، ولا أحد يعرف مدى صحة هذه الأرقام، فى وقت تتسول فيه الحكومة من المواطنين لبناء المستشفيات «الحكومية»، وشاهدنا دموعها على خدها عندما ارتفع سعر القمح بعد الحرائق الروسية، محمود محيى الدين كفاءة لا شك، وقد يكون عالما كبيرا، ولكنه اعتبر فى أحاديثه أن الجامعة ستكون بيته الثالث بعد الحزب الوطنى ودائرته بعد عودته من أمريكا، وبدا حزينا لأن القناة الفضائية التى كان يريد إطلاقها لنشر الثقافة الاقتصادية بين المواطنين لم يتم إطلاقها بعد، وأنه سيتابع استثمارات البنى التحتية «الضعيفة» فى مصر من منصبه الجديد، وألمح إلى أنه سيكون له دور لصالح بلده فى دول حوض النيل.
المناصب التى حصدها فى مصر وحضوره اللافت فى المحافل الدولية تؤهله لشغل منصب رئيس وزراء السويد والنرويج والدنمارك، لأنها شعوب «فاهمة»، تستوعب فكرة الصكوك الشعبية التى أفشلها الشعب المصرى الذى تصدى للبنك الدولى فى الماضى، وستستوعب ضرورة فرش الرمل تحت أقدام المستثمرين على حساب الصحة والتعليم والبحث العلمى، والتعامل مع الخصخصة كعقيدة لا تتزحزح، مبروك لمصر المنصب الجديد، ونتمنى ليوسف بطرس غالى أن يصبح رئيسا لصندوق النقد الدولى، لنحصل على نصف نوبل الثانى، ولكى يستريح الرجلان اللذان يحبان مصر والمستثمرين.. أكثر من اللازم.
2
عندما عرفت أن الحكومة تعاقدت مع شركة «بيل بوتينجر» البريطانية لمساعدتها على تحسين صورتها فى العالم، استغربت، لأن تحسين صورتها أمام المصريين، كان ينبغى أن يكون له الأولوية، واكتشفت أن وزارة الإعلام التى وقعت العقد فى يونيو الماضى كما ذكرت «الشروق»، تحتاج إلى إنجليز للقيام بمهامها الوطنية، وبناء عليه ما جدوى هيئة الاستعلامات والسفارات والإذاعات الموجهة والقنوات التى «ترطن»، وما جدوى الكلام أصلا؟!