أزعجنى التقرير الأخير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، خاصة فيما يتعلق بنسبة السكان الذين يحصلون على مياه شرب آمنة، فقد حدد التقرير نسبتهم بـ 99%، وأنا لدى حساسية خاصة من هذه النسبة التى تعنى الاقتراب من الكمال، والكمال لله وحده، منذ أيام انتخابات وزير الداخلية الأسبق النبوى إسماعيل
كان النبوى يطبخ نتائج الانتخابات بحيث تلعلع النتيجة بـالـ 99% دائماً ويترك الـ 1% للقلة الحاقدة أو القلة المندسة، ولذلك عندما قرأت تقرير مركز المعلومات خشيت أن أكون من القلة المندسة التى لا تصلها المياه الآمنة، وتلفتُّ حولى ونظرتُ إلى خريطة العشوائيات فى مصرنا المحروسة، وأيقنت أن شيئاً بالضرورة ناقص فى معلومات مركز المعلومات!
هل العقدة فى مصطلح "آمنة" وصفاً للمياه، كمااستخدمه واضعو التقرير المحترفون طبعاً بدلاً من وصف "النقية" أو "غير الملوثة"، وبحثت فى دلالات "آمنة" فوجدتها أفضل من "نقية" و"غير ملوثة" و"صحية"، فهى تشمل كل هذه المعانى معاً، أى أن واضعى تقرير مركز المعلومات ـ وهم خبراء وباحثون فى المجال الذى يقطعون فيه برأى أو بنتيجة ـ قد استخلصوا أن 99% من المواطنين يحصلون على مياه نقية وصحية وغير ملوثة، معقول!.
أنا أصدق طبقاً تقارير ومعلومات مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء وإذا لم أصدقه هو فمن أصدق إذن، لكن السيد وزير الموارد المائية والرى جعل الفأر يلعب فى عقلى بتصريحاته خلال حواره لبرنامج "الحياة والناس" الأحد الماضى عندما قال بتلقائيته المعهودة إن هناك مشكلات تتعلق بتلوث النيل فى عدة محافظات حددها بالاسم "بنى سويف، الفيوم، المنيا والدقهلية"، خاصة فيما يتعلق بنهايات الترع فى تلك المحافظات
يعنى الوزير المسئول عن المياه اعترف بوجود مشكلة تلوث فى ثلث مساحة مصر المأهولة تقريباً.. يا ساتر يا رب طيب ماذا عن الـ 99% الذين يحصلون على المياه الآمنة؟ لقد كنت أحسب نفسى وزوجتى ضمن القلة المندسة التى لا تصلها المياه الآمنة فى المدينة الجديدة التى أسكن بها، لكن بعد اعتراف وزير الرى المسئول بوجود تلوث مياه فى 4 محافظات أخرى بين الدلتا والصعيد تنفست الصعداء، لأنى لم أعد وحدى ضمن القلة المندسة، ولم تعد هناك قلة مندسة أصلاً وبدأت أتشكك فى معلومات مركز المعلومات.
ما عزز الشك لدى تجاه نسبة 99% من المواطنين الذين يحصلون على المياه الآمنة، ما كشفت عنه مناقشات ورشة العمل التى عقدتها الإدارة المركزية للتوجيه المائى بمديرية الرى بالفيوم الأحد الماضى تحت عنوان "حماية الموارد المائية من التلوث"، حيث أكدت الورشة، حسب الزميلة رباب الجالى، أن هناك كتلاً سكنية بالكامل تلقى بالصرف الصحى فى المجارى المائية، وهذه التأكيدات تتفق مع جميع تقارير وزراء البيئة حول نهر النيل، والتى تشير إلى وجود نسبة كبيرة من المواد الصلبة والمعادن الثقيلة والملوثات الأخرى تلقيها المصانع والمراكب القائمة والقرى التى تصرف فى النيل مباشرة من أسوان وحتى رشيد ودمياط.
ومع ذلك راجعت نفسى وأخذت أقلب ثانية تقرير مركز المعلومات درأً للشك اللعين الذى تسرب إلى عقلى وقلبى، واكتشفت أن الخطأ ليس فى النسبة التى قطع بها تقرير المركز، ولكن فى فهمى أنا لما يعنيه اصطلاح "مياه أمنة"، فالمياه الآمنة لا تعنى فقط مياه الحنفيات فى منزلى ومنزلك ولا مياه الخراطيم التى ترش الشوارع، ولا حتى مياه حنفيات المصالح الحكومية المفتوحة ليل نهار، لكنها تعنى أيضاً زجاجات المياه المعبأة التى نشتريها بالواحدة وبالكرتونة، بالنصف لتر وبالعشرين لتراً.
لا تجادلنى فى أن مياه الزجاجات المعبأة قد أصبحت فى كل نجع وقرية من قرانا، ولا تجادلنى بأن الأطفال يحملونها وهم يذهبون للمدرسة، والكبار يمسكون بها مثل السائحين الأجانب تماماً ، ومادامت المياه المعبأة تصل إلى كل نجع وقرية ، فنسبة ال99% التى حددها مركز المعلومات صحيحة.
الحمد لله ، استرحت بعد أن وصلت لهذا الاستنتاج