لاشك أننا محظوظون لأننا نشاهد الفيلم والإعادة كل موسم دون أن نفقد شعورنا بالدهشة أو التسلية، للمرة العاشرة بعد العاشرة، نسمع ونقرأ فيها تصريحات المسئولين عن قرب ظهور السحابة السوداء على محافظات مصر، وكم مرة أعلنت محافظات الوجه البحرى استعداداتها لمواجهة حرق قش الأرز لوقف منابع السحابة السوداء، وفى كل مرة تظهر السحابة السوداء وتطلع لسانها للمسئولين وتصريحات وزارتى الزراعة والبيئة.
نحن نستعد لاجتماع مجلس المحافظين على مناصبهم ليعلن اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة السحابة السوداء من المنبع، سوف ينفض الاجتماع بعد اتخاذ قرارات بتوفير مكابس لكبس قش الأرز لن تتوفر، وتهديدات بتوقيع عقوبات رادعة على كل من يضبط متلبسا بحرق القش. وسوف تأتى السحابة السوداء فى موعدها أو هى بالفعل بدأت منذ منتصف سبتمبر وسوف تستمر حتى منتصف نوفمبر، كما عودتنا، بصرف النظر عن تهديدات وتصريحات المسئولين.
أما أن السحابة السوداء لا تتوقف فهذا لأن قش الأرز ليس وحده المسئول عن السحابة، ولأن هناك أماكن كثيرة تطلق الدخان وبتزامن هذا مع تغيرات مناخية تتسبب فى احتجاز الدخان فى الطبقات القريبة من الأرض. وهذه آراء أعلنها علماء منذ بداية ظهور السحابة السوداء للمرة الأولى عام 1991. ثم إن هناك مئات الورش والمصانع والمطاعم والأماكن غير المرخصة تطلق مداخنها ملايين الأمتار من الدخان يكفى لصنع عشرات السحب السوداء، مع ملايين السيارات التى تطلق عوادمها بلا رابط وبعضها يغطى دخانها الأجواء أمام الجميع، فضلا عن تلال القمامة فى أماكن متفرقة من القاهرة الكبرى يشعل فيها الناس النار منذ تم اكتشاف شركات النظافة الأجنبية والقضاء على الزبال التقليدى فتراكمت القمامة فى كل مكان وأصبحت تساهم فى السحابة السوداء بنصيب. وهناك مئات المصارف الزراعية والصناعية فى محافظات مصر تحولت إلى مقالب قمامة تشتعل فيها النيران طوال اليوم لكنها لا تلفت نظر المسئولين والمحافظين الذين يحضرون اجتماعات تحضير أرواح السحابة السوداء دون أن يفكروا فى مواجهتها.
أطلنا فى الحديث عن السحابة السوداء لأنها أكثر مثال على أن الحكومة غير جادة ووزارتا البيئة والزراعة طوال سنوات لم يفكرا الاستماع إلى الخبراء الذين أعلنوا أن التلوث فى أنحاء البلاد تجاوز كل النسب العالمية. ولم تفكر الحكومة فى تجريب حلول أخرى والبحث عن أسباب أخرى وتصريحات أخرى غير إدانة القش والفلاحين وترك التلوث المتفاقم، فالقش عنصر من عشرات العناصر، لكنه ليس السبب الوحيد.
الحكومة والجميع لا يفهمون السحابة السوداء أو أنهم أقاموا معها صداقة وعشرة تمنعهم من القضاء عليها، وإلا فليقل لنا عاقل إذا كانت حكومات مصر من التسعينيات عجزت عن فهم أو إنهاء السحابة السوداء، فهل يمكن لأصدقاء السحابة السوداء أن يدركوا خطر مشكلات مثل تلوث المياه أو الصرف أو البطالة، وهل نصدقهم عندما يقولون إنهم يسعون لمواجهة هذه المشاكل؟.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة