ريحة شياط.. أكبر من مجرد سحابة دخان سوداء، تنطلق من عالم السياسة، ومن قاعات المحاكم.. من "مدينتى"، من مجلس الوزراء ومجلس الشعب، من الحزب الوطنى ولجنة السياسات، من قضية مقتل سوزان تميم، ومن آمون وأرض التحرير، وقرارات العلاج على نفقة الدولة، ومن المجمعات الانتخابية.
مشكلة فى كل عقد وأزمة فى كل صفقة، تستغرب لماذا تفتح كل هذه الأوراق فى وقت واحد، فهم الذين حرروا العقود وكان يمكن من البداية أن يغلقوا باب الشياط بقرارات أو بنود قانونية، لكنهم تركوها لتذهب إلى الحكمة، وبعد أن صدر حكم الإدارية العليا ببطلان "مدينتى" وانطلاق رائحة الشياط عادوا ليغلقوا الملف بضربة قلم، ولجنة فتشت واكتشفت المادة التى تطفئها، لتنطلق رائحة شياط أخرى تصنع سحابة دخان أقوى من السحابة السوداء.
رائحة الشياط جاءت من عقود تم تحريرها بقرارات، وليس بالقانون، وهى نفس مشكلة جزيرة آمون وأرض التحرير وملايين الأفدنة تم توزيعها وتسقيعها صنعت مليارديرات لم يفعلوا شيئا وتركت الأغلبية غائبة.
روائح الشياط لا ترتبط بصحة أو خطأ العقود، لكن فى كونها تصدر من الموقع السياسى، وليس من الموقع القانونى، من لجنة السياسات وليس من القانون المدنى والإدارى.
البعض يشم رائحة من كل ركن، وعند فتح أو تسوية أى قضية، وربما كانت رائحة الشياط مقصودة للفت الأنظار عما يجرى، وقد كان لصوص المواشى فى الأرياف لهم حيلة ناجحة، كانوا يشعلون النيران فى القش أو الحطب أمام حظائر المواشى، وينشغل الفلاحون بإطفاء الحريق، وأثناء ذلك تتم عملية السرقة، وإذا ضُبط اللصوص يزعمون أنهم ينقذون المواشى من الحريق.
ومن ازدحام الأحداث، يصعب التفرقة بين حرائق حقيقية وحرائق للمناورة لأن رائحة الشياط واحدة، ومن الصعب اعتبار الأمر مصادفة.. أن تتم تسوية قضية "مدينتى" بالطريقة التى تمت بها، مع صدور حكم الجنايات المخفف على هشام طلعت والسكرى فى مقتل سوزان تميم، الحكم صدر فجأة قبل الانتهاء من مرافعة الدفاع.
القضية منذ لحظتها الأولى مثيرة للتساؤلات، وكلما جاءت خطوة تكررت الأسئلة، بدءاً من لماذا وكيف قتلاها؟، وحتى الملايين التى أنفقها هشام على سوزان، قبل وبعد رحيلها، ولما صدر حكم الإعدام قالوا "أكيد هيطلع". وبعد النقض "مش قلنا"، ومع الحكم الجديد "شفتوا" وفى الطريق إلى النقض تستمر رائحة الشياط التى تقترب من قاعات المحاكم ومنصات القضاء، حيث تجلس السياسة بجوار القانون، ويبقى شبح التدخلات ماثلا حتى لو لم يكن حقيقة، ومهما كان التعليق على أحكام القضاء ممنوعا، فإن التعليقات لم تتوقف أبدا فى كل مكان، ومع كل حكم، لا أحد يمنع طرح الأسئلة "لماذا وكيف؟".
تستمر رائحة الشياط التى تغطى على السحابة السوداء، وتجعل من الصعب تمييز الحق من الباطل، أو بين الخيط الأبيض والأسود.