وليد طوغان

بنموت فى "الشاى"!

السبت، 04 سبتمبر 2010 07:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أغلق المصريون الشوارع بالحصير الأخضر، فتكدست الميادين بمصلين التراويح، بينما تكدست المحاكم فى الوقت نفسه بدعاوى ومنازعات أكل الحقوق وأموال اليتامى والجور على الأرامل والمطلقات.

من لم تنهه صلاته فلا صلاة له، لكن المصريين يصلون ويصومون.. ثم يأكلون الحقوق، ويقذفون المحصنات.. أيضا.

ازدواجية معروفة، ففى روايات نجيب محفوظ كان السيد أحمد عبد الجواد ملكا للهلس والليل والرقص مع العوالم مع أصدقائه، بينما انزعج من رغبة أحدهم دخول منزله لطلب واحدة من بناته بالاسم.. للزواج، استغرب السيد أحمد ابن شاهد العريس ابنته، وهل فتحت شباك البيت فظهرت للناس فى الشارع مثلا!!

ارتفعت نسبة الحجاب فى الشارع 50% على الأقل مقارنة بما قبل 30 عاما، لكن لم تنخفض نسبة التقاضى فى الحقوق أمام المحاكم، ولا تناسب رقم نزاعات الأحوال الشخصية فى زنانيرى بالانخفاض، مقارنة بما بدا من تدين الشارع.

لماذا التناقض؟ لأننا نميل – عادة - إلى الطقس أكثر من المضمون، الاحتفال باللفظ أكثر من المعنى عادة مصرية، ففى حلقات الذكر مثلا، غالبا ما تتصاعد الأصوات بالتراتيل حبا فى النبى "ص"، وجمال النبى، وكمال النبى.. بينما يندر قراءة القرآن فى خيم المتصوفة.. ولا تسمعهم يتجاذبون أطراف الحديث فى تفسيرات آياته!

ملكنا سمات الدين، لكننا لم نملك الدين.. فلو كانت زيادة نسبة المحجبات، وحرص الشباب على تراويح الشهر الكريم، مؤشرا على زيادة النزعة الدينية فى الشارع، فإن وجه العملة الآخر كان يجب أن يقابله استقرار اجتماعى من نوع ما، فتنحسر نزاعات الجيرة، وتختفى مشاحنات الطريق، وتتداول حقوق العشرة، فتصبح الأموال والأعراض والأنفس مصونة بإلزام المجتمع المتدين.. لا جبرا بقوة القضاء.

لكن هذا لم يحدث، لذلك زادت أعداد المتهجدون فى العشرة الأواخر، بينما لم تقل فى نفس الوقت الجرائم، وقتل بعضنا بعضا داخل المساجد.. خلال صلاة الجماعة!

قبل وفاته، همس لى عالم الاجتماع الفذ د. أحمد المجدوب أن خبرة 70 عاما أتاحت له استخلاص نتيجة مؤكدة: "المصريين عندهم برد "، أصابتهم بأعراض الأنفلونزا، تكسير فى الجسم.. احمرار فى العين، اضطراب فى الرؤية.. واضطراب فى السلوك، وفى محتوى التفكير.. أيضا.

للشعوب أنفلونزا مثل أنفلونزا الأفراد، وللأزمات الاجتماعية أعراضها، أعراض أنفلونزا المصريين ظهرت فى وقوف البعض من الموظفين دقائق بين يدى الله فى صلاة قصيرة، قبل عودتهم لمواربة درج المكتب للإكراميات، والرشاوى.

المجتمع الوحيد الذى أضاف أسماء حركية للرشوة، فسميناها إكرامية.. وسميناها "تفتيح مخ".. قلنا عليها مرة "مفهومية"، ومرة "ميه".. من يجرى الماء جريانا، قبل أن نسميها "شاى".

الوحيدون الذين سموا الرشوة "شاى" كنا نحن.. لذلك عادة ما يتلذذ البعض من موظفى الحكومة باحتساء الشاى، فكانت غريبة قصة مجتمع متدين.. بيموت فى الشاى!!

* مساعد رئيس تحرير جريدة روزاليوسف.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة