خبر سار للعالم.. لكنه مر مرور الكرام، لن يتوقف عنده أحد.. لأن أمر العلم والدواء والعلاج لايهمنا كثيرا، ويبدو فى كثير من الأحيان مملا، ولا يمكن لخبر من هذا النوع أن يجذب تعليقات القراء مثلما يفعل خبر طائفى أو تفاصيل جريمة زنا محارم أو مباراة بين مصر والجزائر.. كلنا فى الهم التراس.
الجمهور عندنا أو عندهم لايهمه أن يعرف أن 30 عالما من خمس دول ظلوا ثلاث سنوات يبحثون ويجربون حتى توصلوا إلى دواء لعلاج الملاريا بجرعة واحدة، الدواء الجديد تمت تجربته على الفئران، وينتظر أن يجرب على البشر خلال هذا العام. لقد نجح هؤلاء العلماء فى إنقاذ مليونى شخص من الموت سنويا، لأن الملاريا تصيب من 300 – 500 مليون شخص سنويا تقتل منهم من مليون إلى مليونى شخص.. 90% منهم فى إفريقيا.
مزيد من الملل فإن طفيلا تنقله بعوضة الانوفيليس التى تنمو فى المستنقعات، وأعراضه الحمى وارتفاع درجات الحرارة، ويتسبب الطفيل فى تكسير كرات الدم الحمراء، ويمكن فى حالة عدم علاجه أن يدمر الكبد والكلى والرئتين، وأحيانا يدمر المخ. مرض خطير ووبائي.
قد يكون مثل هذا الخبر كافيا لإثارة اهتمام ناس كثيرين فى العالم ولسنا منهم، ويمكن لدول ومؤسسات غربية أن تحتفل بهؤلاء العلماء وقد تمنح بعضهم جائزة نوبل. ومعهم علماء يبحثون من أجل التوصل إلى علاج للسرطان أو ننتظرهم لكى يبحثوا لنا عن دواء للكبد الوبائى، بينما نحن مشغولون كثيرا بأخبار الأسلمة والتنصير، أو الصراعات والجرائم التى نفضل أخبارها. وأنا هنا لا أبالغ فقد كان خبر إعلان فتاة فى الإسماعيلية انتقالها من المسيحية للإسلام جاذبا للتعليقات لدرجة أنه خلال ساعات جذب أكثر من 500 تعليق، بينما اكتشاف دواء للملاريا لم يجذب ولا تعليقا واحدا. ولا يتوقع أن يثير مثل هذا الأمر شهية أحد لتأمل أحوالنا والمدى الذى وصلنا إليه.
ولا يمكن القول أن الذين انشغلوا بالتعليق على تغيير فتاة لدينها هم الأكثر إيمانا لأن المؤمنين مشغولون بالعبادة، وليس بالدخول فى مباريات طائفية. يتبادلون فيها الهتاف الاشبه بملاعب الكرة. وربما لا يعترفون أبدا أن الإيمان أمر بين المرء وربه، وأن انتقال إنسان من عقيدة لأخرى لا يضر عقيدته الأولى ولا يفيد الثانية.
وليس هذا هو موضوعنا، بل الموضوع أننا نواصل هزائمنا وينتصر علينا الغرب ويسبقنا لأنهم يعرفون معانى العدالة أكثر مما ندركها، يشغلهم العلم والبحث ويبيعون لنا كل هذا ثم ننجعص نحن ونقول إنهم يتآمرون علينا، وليس هناك من يتآمر علينا أكثر منا.
هؤلاء المصابون بملاريا العقول ومن يجلسون فى مقاعد الالتراس الطائفى لا يمكن أن يلفت أنظارهم اكتشاف دواء الملاريا أو جهود علماء لمواجهة السرطان بقدر ما يؤرقهم خبر تغيير إنسان لعقيدته. ولا يفترض لهؤلاء أن ينشغلوا بعلاج الملاريا، لأنهم مصابون بما هو أخطر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة