المقال نقلاً عن العدد الأسبوعى الصادر الثلاثاء 11/1/2011
ما معنى أن يموت مواطن مصرى فى قسم الشرطة أو داخل مقر احتجاز تابع لأمن الدولة دون أن يصدر بيان رسمى، جامع مانع، يفسر الواقعة ويحدد المسئول عن وفاة هذا المواطن، بل ودون أى إحساس بالندم أو الحزن، أو حتى التعزية لأهل الضحية؟!
ما جرى فى واقعة المواطن سيد بلال، المنتمى للتيار السلفى فى الإسكندرية، يكشف عواراً كبيراً فى طريقة أداء وزارة الداخلية أمام هذا النوع من الحوادث.. لا أريد هنا أن أستبق نتائج التحقيق القضائى فأتهم الضباط المسئولين عن احتجاز سيد بلال بقتله عمدا أو خطأ، لكن ضميرى لا يقبل أن يكون الموت فى غرف التحقيقات سهلاً إلى هذا الحد، وأن تكون أرواح الناس أيا كانت الاتهامات الموجهة إليهم رخيصة إلى هذه الدرجة، التى لا يستحقون فيها برقية تعزية أو بيانا للتوضيح أو تعويضا مناسبا لحجم المأساة.
الداخلية هنا لا تستطيع أن تتعامل مع سيد بلال بنفس الطريقة التى تعاملت بها مع مقتل خالد سعيد، فتاريخ سيد كمواطن ملتزم بالمنهج السلفى يحول دون اتهامه بتعاطى لفافة من البانجو أو قطعة من الأفيون، كما أن حادثة كنيسة القديسين التى احتجز بسببها هذا الشاب ترجح أن تكون معاملة المحققين خشنة، إلى الحد الذى يرفع من أسهم إساءة الظن بمن اعتقلوه ومن احتجزوه ومن باشروا التحقيقات معه فى مقر أمن الدولة.
أستطيع أن أفهم طبعا قدر التوتر الذى عاشه صغار وكبار الضباط فى مديرية أمن الإسكندرية أو فى فرع مباحث أمن الدولة بالمحافظة، وأفهم أيضا حجم الضغوط الهائلة التى تحملها هذا الفريق إزاء جريمة التفجير فى الكنيسة، لكن هذه الأجهزة نفسها تتحمل المسئولية بلا شك فى عدم القدرة على التنبؤ بهذا التفجير، وعدم الحيطة فى تأمين واحدة من أكثر الكنائس المستهدفة فى مصر داخل محافظة الإسكندرية.. فلا يجوز إلقاء الفزع فى قلوب الأبرياء بحجة التوتر، ولا يجوز تغطية التقصير الأمنى لأجهزة محافظة الإسكندرية عبر توسيع دائرة الاعتقالات بين المشتبه بهم دون معلومات حقيقية، وبغير هدى أو بصيرة أو أسس منطقية للبحث الجنائى.
أستطيع أن أفهم أيضا أن وزارة الداخلية لم تكن ترغب أن تنتهى حياة سيد بلال بين يدى رجالها على هذا النحو، على الأقل فى هذا التوقيت الذى تحتاج فيه إلى الدعم الجماهيرى لا إلى غضب المسيحيين والمسلمين فى وقت واحد، وأستطيع أن أفهم أيضا أن القيادات العليا للوزارة قد تكون غاضبة لما جرى، على الأقل هؤلاء الذين يبذلون جهداً خارقاً لتصحيح صورة رجل الأمن فى الشارع، لكن محاولتى هذه للفهم أو للتفهم لا يمكن أن تقبل الطريقة التى جرى بها التعامل مع أسرة سيد بلال، فالخشونة تطل من التفاصيل، وتذكروا أن خشونة مماثلة ربما تكون قد أدت إلى أن تفيض روح هذا الشاب المسكين!
أسرة سيد بلال لم تطلب أكثر من تفسير عادل للواقعة، تفسير يقطع الطريق على أن تولد بذور الكراهية فى القلوب، أو أن تتحرك غرائز الانتقام فى الضمائر والصدور، فالراحل ينتمى إلى أسرة صغيرة هى عائلته المجروحة، وينتمى فى الوقت نفسه إلى أسرة أكبر هى التيار السلفى الذى لا يمكن الاستخفاف بردود فعل أعضائه إن غاب الحق وضاع العدل تحت شعارات التوتر أو الضغوط أو التبريرات الهزيلة والبيانات المقتضبة التى تقدمها الداخلية.
وضع البلد لا يحتمل المزيد من الاشتباكات، كما لا يحتمل المزيد من تحريك مشاعر الغضب فى الصدور، يكفينا ما جرى فى الكنيسة، ويكفينا أيضا تلك الخلايا النائمة التى تحرك عواصف الدم والموت فى البيوت الآمنة، ولذلك يجب على وزارة الداخلية أن تبادر إلى فعل أكبر من البيانات المقتضبة التى تقدمها للصحف بخجل وحذر، ينبغى على الوزارة أن تأسف لما جرى على عينها وفى مكاتبها، وينبغى على الوزارة أن تظهر لأسرة الراحل القدر المناسب من التعاطف وحسن المعاملة، وينبغى عليها أن تقدم لهذه العائلة المكلومة ما يطهر قلبها من الأسى وما يدفعها للإيمان بأن قدر الله كان أسبق من بطش المحققين.
وإن لم تقتنع هذه العائلة بعدالة هذه المعلومات فلن تقتنع مصر بأكملها، وأنا معهم، وإن لم تتحرك الداخلية للاعتذار والتوضيح بالشكل اللائق فسوف تؤمن مصر بأكملها أن الأرواح لا تساوى شيئا بين يدى الشرطة، وأنا معهم أيضا.
الوقت لم يأزف بعد، وما زالت الفرصة قائمة، فلا ترتكبوا خطيئة تعصف بأمن مصر لأن الأمن الحقيقى يبدأ من إحساسنا نحن المواطنين أنكم تطبقون العدالة ولا تبتغون سوى الحق، وأن أرواح الناس ليست لعبة بين أيديكم..
خالص العزاء لأسرة سيد بلال..........
واقرأ أيضا انفرادات جديدة عن قضية سيد بلال وملف الفتنة الطائفية داخل العدد. ترقبوا..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة