عجيب أمر الناشط القبطى المهاجر موريس صادق، فقد حاولت على مدار سنوات أن أتفهم وجهة نظره المعارضة للإدارة المصرية، انطلاقا من حق المصريين جميعا فى انتقاد أخطاء مسئوليهم، وعلى أساس أننا جميعا وطنيون ولا يجوز لأحدنا أن يحتكر لنفسه شعار الوطنية دون أخيه، لكنى لم أجد للرجل سوى مواقف مستفزة ومتشنجة، تتفرق فى كل اتجاه وتتجمع على كراهية مصر، وتناصر كل طرف يعادى هذا البلد أو يحاول النيل منه.
آخر "افتكاسات" صادق، ذلك البيان الأخير الذى حاول فيه أن يركب موجة استفتاء أهالى جنوب السودان على حق تقرير المصير، ليخرج علينا بإعلانه تأسيس "دولة الأقباط الحرة" التى تتمتع بالحكم الذاتى فى مصر.
طبعا لم يقل لنا صادق، أين حدود الدولة التى أعلنها، وهل تبدأ حدودها من نيويورك، حيث يخرج فى مظاهرات الناشطين الصهاينة المؤيدين لابتلاع الأراضى الفلسطينية وقتل إخواننا الفلسطينيين، أم تبدأ من حدود الإسكندرية التى يتغنى بها وهو لا يعرف عنها شيئا؟
لم يقل لنا صادق كيف يفصل بين المسلمين والأقباط فى دولته التى أعلنها بورقة من أمريكا، بينما هم متجاورون متلازمون فى العمل والسكن وحتى فى دور العبادة التى يتجاور فيها المسجد جنب الكنيسة، والهلال جوار الصليب، أم يا ترى فكر فى جدار عازل على غرار ما تقيمه حكومة الاحتلال الإسرائيلى فى الأراضى المحتلة، أو تخيل نفسه حاكما على الجنوب مثل الشيخ همام، يدير شئونه من على صهوة جواده الأشهب، أو لنقل الدبابة الأمريكية؟
موريس صادق الذى أعلن نكتة دولة الأقباط الحرة من أمريكا، وقبلها طالب الأمم المتحدة بوضع مسيحيى الشرق الأوسط تحت الحماية، هو نفسه الذى حاول استعداء الإدارة الأمريكية بطلبه وقف تصدير القمح لمصر، متصوراً أن طلبه هذا كفيل بتجويع المصريين، وهو نفسه من شارك فى المسيرة التى نظمها بنيويورك، القس تيرى جونز، صاحب دعوى حرق القرآن الكريم.
موريس صادق الذى أعلن نكتة دولة الأقباط الحرة من أمريكا، شجع فى أحد مواقفه العجيبة، والتى لا تنطلق إلا من الكراهية، دعا إسرائيل إلى ضرب السد العالى، واحتلال مصر وفرض الوصاية عليها، ووصف قتلة الشهداء المصريين بالأبطال.
لا أحب أن أصف مواقف موريس صادق المعلنة بالجنون أو السفه، إلى آخر الأوصاف التى اعتاد هو عليها فى الكتابات العربية، وأظنه يستمتع بها، لكنى أقف أمام مواقفه المتطرفة باعتبارها نموذجاً فى الخروج عن قاعدة الاختلاف على أرضية الوطن الواحد، إلى اعتماد مبدأ المعارضة العمياء التى تتاجر بقضايا الوطن عبر أكثر الصور تطرفاً، والتى تلتقى فى الوقت نفسه، مع الأكثر تطرفا من أصحاب المصالح المضادة لمصالحنا الوطنية، مثلما تجتذب بحكم طبيعتها الزاعقة رأس المال السياسى الذى توظفه دول وأحزاب وأصحاب مصالح لشراء أو بناء أشكال من المعارضة الضاغطة على الحكم فى مصر.
موريس صادق إذن نموذج مبتذل لبزنس "المعارضة فى الخارج"، هو ارتضى أن يكون "البلاى بوى" الأول فى هذا المضمار، مكشوف تماما، زاعق بكل قدرته على الصراخ، عدائى لأبعد حد، مستعد لتبنى أى شعار أو صفقة أو اتجاه يجتذب بواسطته رأس المال السياسى الذى يبدو فى أحيان كثيرة حائرا فى البحث بين الأوجه المعارضة الرمادية التى مازالت متمسكة ببعض الشعارات البراقة أو المبادئ التى تكفل لها احترام النخبة، كما تضمن لها عدم حرق مراكبها مع الوطن الأم.
موريس صادق على العكس من هؤلاء، حرق مراكبه وراءه، وخلع كل البراقع فى رقصة الاستربتيز السياسى التى يؤديها منفردا، ووضع على رأسه قبعة جون وين التقليدية، مراهنا أن يكون على ظهر أول دبابة تعبر المحيط باتجاه وادى النيل، وكلما ابتعد عنه حلمه وصعب وتعقد، زادت رغبته فى التعرى السياسى، واكتسبت قائمة مطالبه مزيداً من الغرائب والطرائف ما يضمن له على الأقل، اجتذاب المزيد من رأس المال السياسى الحائر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة