لم تكن صدفة، أو فعلا غير متوقع، أو حادثا طارئا لا يستدعى توقفا لحظيا للتأمل أو التحسر أو شحن بطارية الغضب، أو على حسب ما يستدعيه المشهد لعقلك وقلبك من مشاعر وأحاسيس.
هل تسمح لى أولا أن أصف لك المشهد الذى تكرر فى الفترات الأخيرة كثيرا، وتصدر أفيش بطولته مسؤولون كبار فى الحكومة ما بين وزراء وقادة لأجهزة مهمة، مثل الوزير المصيلحى، والوزيرة عائشة عبد الهادى التى قبلت إحدى العاملات يدها، وبعض المحافظين، وأخيرا الأثرى الشهير زاهى حواس!
المشهد يبدأ بالسيد المسؤول وهو يسير فى جولة تفقدية نادرة الحدوث، وفجأة تخترق حشود الأمن سيدة أو رجل لا شراكة بينهما سوى العجز السنى والمادى، وينحنى أمام سيادة المسؤول مقبلا يديه، وواضعا طلب توظيف لنجله أو تأشيرة علاج فى يد السيد المسؤول، مستحلفا إياه بالدموع والوهن وكلمات الذل بأن يلبى طلبه. ختام المشهد غالبا ما يأتى جيد، بحيث ينتفض السيد المسؤول ويتمتم مستغفرا ربه، وناظرا لكاميرات الصحفيين، معلنا تلبية رغبات السائل بشكل فورى.
قد يبدو الأمر بسيطا إذن طالما تحققت مصلحة السائل الغلبان، ولكن هل سيصبح كذلك مع تطور الوضع، ليصبح أكثر ذلا فى المشهد الأخير الذى انحنت فيه سيدة عجوز لتقبل قدم زاهى حواس من أجل تعيين ابنها فى وظيفة ميرى؟!
البساطة هنا يمكن تقبلها إن اعتبرنا المشهد أبسط تعبير عن شكل العلاقة بين النظام الحاكم فى مصر والمواطنين السائرين فى شوارعها، فما حدث ويحدث مع السادة المسؤولين الكبار وسرعة استجابتهم لفكرة تقبيل الأيدى والأقدام، يرسم لوحة لطريقة التعامل التى تريدنا أن نمارسها الدولة تجاهها، حتى تستجيب لمطالبنا. بمعنى آخر، تبدو هذه المشاهد المتكررة فى الفترة الأخيرة إشارة رسمية إلى أن التظاهر والاحتجاج والإضراب أمور غير مجدية للحصول على حقوق الناس، وأن الباب المفتوح أمامنا للتواصل مع الدولة هو قيام الناس بتقبيل يدها، بل وضع «بوسة» كبيرة وذليلة على صباع رجلها الكبير لكى تستجيب لمطالبنا فى تحقيق حياة كريمة، وضمان مستقبل بلا خوف.
هذه هى صورة مصر الحقيقية ياعزيزى.. صورة ذليلة، وفقيرة لدرجة تدفع مواطنيها لأن يتنازلوا عن كرامتهم أمام الكاميرات من أجل راتب ثابت لا يتجاوز 500 جنيه، وتأشيرة علاج هى فى الأصل حق ضائع، هذه هى صورة مصر الحقيقية التى لا يعرضها الحزب الوطنى فى برامجه ولا يروّج لها تليفزيون الدولة، وهؤلاء هم المسؤولون عنا أمام الله، لم يضطرب أحدهم والقبلات تغمر يده أو قدمه ويسأل نفسه عن الأسباب التى دفعت الناس إلى امتطاء أفعال الذل، غير مبالية بأى كلام عن الكرامة وعزة النفس.
هل تريد أن تعرف أكثر عن حقيقة مانعيشه الآن؟.. قارن بين الماضى الذى كان فيه المصريون يقبلون أيادى ورؤوس قادتهم إجلالا واحتراما، والحاضر الذى «يبوس» فيه أهل المحروسة الجزم وأصابع القدم من شدة الخوف وشدة الحاجة وقلة الحيلة، ولهذه الأسباب لا تفزع أبدا إن سمعت صوت انفجار آخر يهز جدران مسجد أو كنيسة أو حى كامل، لأن تقبيل الأيدى والجزم ليس بالأمر الهين على نفوس مواطنين كتب التاريخ فى عزة أنفسهم وكرامتهم أشعاراً !
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة