قالها بوضوح يوسف بطرس غالى وزير المالية، أمس الاثنين فى اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب، "شوفوا لكم حل فى الدعم وتحديدا دعم المواد البترولية"، ومادام غالى قالها فالأمر يعنى تحريك أسعار البنزين والسولار، لتوفير موارد للإنفاق على دعم الصحة والتعليم.
وزير المالية الصريح قال إنه ينطلق فى أداء مهامه من المثل الشعبى "اطبخى يا جارية كلف يا سيدى"، معايرا الحكومة بأنها لا تضع سياسات إنتاجية ناجحة تحقق موارد كافية للإبقاء على جميع أبواب الدعم الحالية، والنتيجة أنه يخيرنا بين دعم البنزين والسولار وبين دعم الصحة والتعليم.
يهوّن غالى، على غير الحقيقة، من مسألة رفع الدعم عن المواد البترولية، قائلا إن المتضررين هم مالكو 4 مليون سيارة أى حوالى 16 مليون مواطن مقابل 80 مليون مواطن يتضررون من نقص دعم التعليم والصحة، حسب قوله، وهى مقارنة "فهلوية" لأن السيد الوزير لم يقل لنا إن تحريك أسعار البنزين والسولار لن ينعكس فقط على أصحاب السيارات، وإنما على جميع وسائل المواصلات والنقل التى يكتوى بأسعارها جميع المواطنين دون استثناء، فما بالك بعد رفع الأسعار، كما سيلحق الارتفاع بالعديد من السلع الأساسية وفى مقدمتها الخبز والصناعات الغذائية والصناعات الكيماوية، باختصار، تحريك أسعار البنزين والسولار يعنى بداية موجة جديدة من الغلاء، لا يمكن لأحد من جهابذة المالية أو لجنة الخطة والموازنة التنبؤ بردود أفعالها.
من ناحية ثانية، أين هم المستفيدون الحقيقيون من دعم التعليم والصحة الذى يشير إليهم وزير المالية، فى ظل التردى الرهيب لأوضاع التعليم الحكومى والقطاع الصحى على السواء؟ ليس الـ 80 مليون مصرى تحت مظلة التعليم الحكومى أو الرعاية الصحية، ويكفى أن يطلع وزير المالية على عدد المدارس الخاصة والأجنبية ومدارس الإرساليات، مقارنة بالمدارس الحكومية، وأن يعرف الأرقام الحقيقية للمترددين على المستشفيات والعيادات الخاصة والجمعيات الطبية الخيرية وعيادات الجوامع والكنائس، فضلا عن العلاج التكافلى فى النقابات المهنية، ليدرك كم من المواطنين فعلا تحت مظلة الرعاية الصحية والتعليم الحكومى، قبل أن يضع عموم المصريين دفعة واحدة فى كفة المستشفيات والمدارس الحكومية، فقط لانتزاع الموافقة على رفع الدعم عن المواد البترولية.
يا وزير المالية، قبل النظر إلى باب الدعم فى الموازنة العامة يمكنك النظر إلى باب الإنفاق الحكومى، والعمل على ترشيده، وأحيلك إلى ملاحظات تقارير المركزى للمحاسبات بهذا الخصوص خلال السنوات القليلة، أما باب الأجور الذى قلت إنك لا تستطيع اللعب فيه، فهو باب واسع لتسرب المليارات إلى جيوب المستشارين وكبار الموظفين فى صورة مكافآت مهولة تحتاج إلى نظرة فاحصة قبل اعتبارها صنما مقدسًا لا يجوز الاقتراب منه بسوء.
أيضا، ليس من العدل أن يتوجه الدعم المصرى بسخاء إلى المواطن الإسبانى والمواطن الإسرائيلى فى اتفاقيات الغاز المجحفة، وأن يعانى المصريون من رعب تحرير أسعار البنزين والسولار، وإذا ضاقت بكم بعد شد الأحزمة على الكبار قبل الصغار، عندكم بنزين 95 و92، ارفعوا الدعم عنه، وارفعوا أسعار الطاقة الموجهة للمصانع الاستثمارية، من أسمنت وحديد وأسمدة وخلافه، وساعتها ستجد جارية وزارة المالية ما تطبخه لسيدها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة