مثل كل شىء فى مصر، سيتحول حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية إلى ذكرى، وتتحول كل حالة الرعب والهلع والتضامن والوحدة الوطنية التي حدثت فى الأيام القليلة الماضية إلى تاريخ، سننسى كل ما حدث وننخرط فى تفاصيلنا اليومية، سيبرز حادث آخر يغطى على كل ما حدث، وينشغل به الناس، ويملأ صفحات الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية والفضائيات، ربما يكون جريمة إرهابية أخرى أو مصيبة جديدة أو كارثة كبيرة، سننشغل بها أيضا بعض الوقت ثم ننساها، فنحن شعب بلا ذاكرة، يمكن أن تنطبق علينا نكتة الرجل المغفل الذى ضربه صديقه 17 قفا على سهوة.
تمر بنا كل الكوارث والمصائب فنحزن قليلا، ثم ننهض لمواصلة الطريق، ليس كنوع من الشجاعة أو الإصرار على الحياة، ولكن كنوع من الهروب وعدم القدرة على المواجهة أو حل الأخطاء، النعامة علميا لا تدفن رأسها فى الرمال حين تستشعر الخطر، لكنها تهرب منه تاركة جناحيها الكبيرين للرياح، أما نحن فلا نستشعر الخطر أساسا، يخرب التليفزيون فنظل «نلصمه» ونخبطه بأيدينا حتى يعمل، ونضع مسمارا مكان الإيريال، وملعقة مكان مؤشر تغيير القناة، ونوجه المروحة باتجاهه حين يسخن وتصدر منه رائحة شياط، وفى النهاية نصرخ ونلطم لأن التليفزيون حرق الشقة «فجأة».
مازلنا قادرين على الاندهاش، كل شىء حولنا ينبئ بالكارثة، وحين تحدث نفاجأ بشكل حقيقى، وعندما تنتهى ننساها لننشغل بأخرى، وحين تتكرر مرة وثانية وعاشرة نتعثر كأنها تحدث للمرة الأولى.
مرت جريمة الإسكندرية، لكنها ستتكرر عشرات المرات طالما أن أسبابها موجودة، سيفجرون عشرات الكنائس وعشرات المساجد وعشرات محطات المترو والميادين، وسنرى حوادث أكبر وأضخم، بحيث لن يبقى هناك شخص واحد آمن على حياته أو أطفاله، وفى كل مرة سنتفاجأ وفى كل مرة ستمر الكارثة، وننساها متخيلين أن كل شىء على ما يرام، كسجين يخضع للتعذيب مرة كل شهر، وفى كل مرة يقطعون عضوا من أعضائه، فيرجع ليحمد الله على أنهم لم يقتلوه، فيموت وحده فى النهاية متأثرا بجراحه.
لسنا سجناء، والمسؤولون عن جريمة الإسكندرية موجودون ومعروفون، هم مرتكبو جريمة العبّارة، وجريمة الدويقة، وجريمة حرق مجلس الشعب، وسرقة زهرة الخشخاش، وانهيار العقارات، وسرطنة الشعب، وتجويعه، وتعذيبه، وتكميمه، وتزييف صوته، وقتل إرادته.
ستتكرر كل هذه الجرائم إلى مالانهاية، مادمت حضرتك تجلس وأنت تقرأ هذا المقال، وتقول: آه والله الكلام ده مظبوط، ثم تقوم لتنساه، فتحدث جريمة أخرى، فتقرأ مقالا آخر ويعجبك ما فيه، وتحدث مشكلة أخرى، وأزمة أخرى، وكارثة أخرى، ومصيبة أخرى، فتفاجأ، وتقرأ، وتندهش، وتستمر الحياة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة