مع تواصل عملية الاستفتاء على مصير السودان، تتواصل الوعود الدولية لتشجيع فصل الجنوب عن الشمال، فمن الإدارة الأمريكية جاء التشجيع للشمال فى أنه سيتم رفع السودان من قائمة الدول التى ترعى الإرهاب، بالإضافة إلى حوافز أخرى تأتى من دول أوربية، فيما يعنى أن تقسيم السودان لا يتم بإرادة أبنائه الجنوبيين وفقط، وإنما برعاية دولية، ودعنا من أحاديث احترام حقوق الإنسان وإرادة المصير التى يتشدق بها الغرب فى مثل هذه الظروف، فلو اجتمعت إرادة المجتمع الدولى على عدم التقسيم ما كان سيحدث.
الأمر لا يعنى أننا نربط ما يحدث بمؤامرة دولية أولا وأخيرا، لكنها الحقيقة التى يبدو أننا مقبلون عليها فى هذه القرن، وهى أن تقسيم السودان سيكون بروفة لتقسيمات أخرى ستعم المنطقة، وسيكون السودان وحده صاحب النصيب الأكبر فيها، فالقيادة السياسية السودانية التى لم تعِ الدرس مبكرا، ولم تقدم نموذج الحكم الرشيد فى الديمقراطية وعدالة توزيع الثروة، الذى يغرى كل السودانيين فى البقاء تحت علم دولة واحدة، ومن المتوقع أن تجد نفسها أمام مطالب أخرى للانفصال، والمؤكد أن قضية دارفور لم تكتب فصول نهايتها بعد، فأغلب الظن أنها ستأخذ دورة جديدة من الاهتمام بعد انفصال الجنوب، والخوف أن تمر هذه الدورة بنفس السيناريو الذى مر به الجنوب، لتنتهى عند دولة جديدة.
درس السودان هو نموذج لفشل النخب العربية الحاكمة التى تحكم دولا تمتع بعرقيات مختلفة، وبدلا من جعل الاختلاف العرقى أساسا للتعايش كما يحدث فى دول العالم الديمقراطية، مارست النخب العربية الحاكمة سياسات ظالمة ضد الأقليات جعلتها تكفر بالدولة الواحدة.
نجحت دول العالم الديمقراطية فى احتواء الأقليات العرقية فيها، بتطبيق الديمقراطية الصحيحة، فى الوقت الذى مارست فيه النخب العربية الحاكمة كل أنواع الديكتاتورية من أجل الحفاظ على كراسيها، وكانت النتيجة فقرا وبؤسا لشعوب عربية، وتقسيما لدول عربية كما حدث فى السودان، وسيحدث فى دول أخرى طالما بقى الوضع كما هو.