لم يكن محمد بو عزيزية إلا مواطنا تونسيا بسيطا عاديا من سواد الشعب.. لا يعرف كثيراً فى الاتجاهات السياسية، ولم يكن أيدلوجياً أو منحازاً إلى حزب معارض ولم يخرج يوماً فى مظاهرة احتجاج، ولم يشغل باله كثيراً فى انتخابات زين الدين بن على ولم يفكر فى ترشيح نفسه فى أى انتخابات، ولكن كل شواغله لقمة العيش.. يريد أن يعيش مستوراً راضياً بالحد الأدنى من مباهج الحياة.. كانت أحلامه وأمنياته كلها تسعى وتبحث عن وظيفة ليأكل لقمة عيشه مثل السواد الأعظم من عرق جبينه.. هو واحد من الناس "التونسيين" أراد أن يعمل رافضاً أن يتسول أو يكون لصاً أو أراجوزاً فى سيرك الفاسدين الذين ينهبون أموال التوانسة.. خابت كل مساعيه ولم يلتفت إليه أو يشعر به أحد.. نفد رصيد صبره فلم يجد حلاً إلا أن يشعل النيران فى نفسه فى الشارع أمام الجميع ليكتب شهادة إدانة ضد هذا النظام الظالم الديكتاتورى.
لقد استطاع محمد بو عزيزية الشاب التونسى البسيط أن يحرك جموع الشعب ويجرجر القوى السياسية وراءه والتى تعاطفت معه وشعرت بالخزى والعار أن تصمت هذه المرة رغم أنها أعلنت السكوت لمدة 23 عاماً على أمل أن تتحسن الأوضاع أو يشعر الديكتاتور بآلامهم وأوجاعهم وهمومهم أو يراعى ظروفهم المعيشية التى تتعثر يوماً بعد الآخر.
ظن هذا الشعب أن غداً سيكون الأفضل.. ولم يكونوا قد عرفوا أن الحكم إذا شاخ فى مقعده يكون أكثر افتراساً لدماء الشعوب.. لم يكن يعلم هذا المغلوب على أمره أن استمرار وجود زين العابدين بن على طيلة 23 عاماً سينزع من قلبه الرحمة لأهله وعشيرته.. نعم ازداد طغيان الديكتاتور وصدق أن عساكره المدججين بالعصى والخوذ والقنابل المسيلة للدموع وحتى الرصاص الحى قادرون على حمايته وقطع ألسنة الشعب التونسى.. ولكن انتفضت الإرادة التونسية وأعلن الشعب غضبه بشرارة محمد بو عزيزية واستطاعت مظاهرات التوانسة أن تقلع جذور الفساد وتطرد الديكتاتور فى أسبوع واحد فقط ولم يقدم الشعب سوى 23 شهيداً فداء ثمن لهذه الحرية وأزعم هذا العدد يضيع يومياً فى حوادث الأتوبيسات الماجنة والقطارات المنفلتة وتسيل دماء الكثير على الأسفلت، بسبب غياب القانون وعدم انضباط المسئولين.
أثبت الشعب التونسى أن العصمة ستظل دوماً فى يد الشعوب، وهى القادرة على تغيير مصيرها وإرادتها أقوى كثيراً من العصا والمصفحة والقنابل، لأن الذين يملكون هذه الأسلحة والذخائر جزء أصيل أيضاً من الشعب يتعذب يومياً، لأنه يرى، ومهمته الحفاظ على أرواح هؤلاء الفاسدين.. شكراً للتوانسة الذين أعادوا الروح مرة أخرى للشعوب العربية التى ظن حكامها أنها قد ماتت وكانت تبحث عن مقابر للدفن.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة