أصبحت الثورة التونسية، بحق، علامة فارقة أمام الشعوب والأنظمة العربية، الشعوب العربية تراها الأمل والحلم، الأمل لإمكانية التغيير، والحلم أن يكون التغيير بأيدى الشعوب، ليس قدريا ولا وارد الخارج، بينما تراها الأنظمة العربية الكابوس الذى لم يكن على البال ولا على الخاطر.
الصراع الآن بين حلم الشعوب العربية بتكرار التجربة التونسية، وبين قبضة الأنظمة التى تخلع القفاز الحديدى وتستخرج شعرة معاوية من مكمنها، إذا أرختها الشعوب شدوها وإذا شدتها أرخوها، الجزائر تعمل على استرضاء الجماهير بتخفيض الأسعار والرئيس اليمنى يطيح بوزير البترول بعد ظهور أزمة فى البنزين وليبيا تلغى الجمارك على السلع الأساسية لمنع زيادة الأسعار، وتراجع الحديث عن إلغاء الدعم أو كوبونات البوتاجاز فى مصر.
بينما يحتدم الصراع بين أحلام الشعوب وقبضات الأنظمة العربية، ينتظر الجميع مسار الثورة الوليدة، هل تستطيع أن تكمل مسارها وتصل بتونس إلى بر الأمان، لتصبح نموذجا حقيقيا للتغيير، أم يبتلعها رجال النظام البائد الذين مازالوا داخل البلد وفى مواقع قيادية، ثم يصفونها بالانتفاضة تارة أو بالمؤامرة تارة أخرى؟
هل يعى التونسيون الثائرون ما يريدون فينسحبون من الشوارع بعد تولى قيادات جديدة لا علاقة لها بالعهد البائد لتبدأ صفحة من الحكم الرشيد العادل، أم يجرفهم الغضب إلى الفوضى، كما يتمنى كثير من الحكام العرب؟
هل ينكل الثائرون الغاضبون بالفاسدين، كما تتمنى كل القوى الرجعية فى العالم العربى أم يتركوا المحاسبة والعقاب للقانون والقضاء الذى لابد وأن ينتظر للمظلومين من ضحايا فاسدى النظام البائد؟
هل يسمح الشعب التونسى لرجال النظام السابق أن يسرقوا وينهبوا ويخربوا ليشوهوا صورة الثورة الوليدة، أم يلتفتوا إلى ما يراد لهم، فيعملون بأنفسهم على ضبط الأمن فى البلاد متحلين بروح المسئولية الوطنية، ويفوتوا الفرصة على من يريدون تحويل الثورة إلى مجرد "انتفاضة حرامية"، حسب التعبير الشهير للرئيس الراحل أنور السادات؟
تتمنى الأنظمة العربية أن يمعن الثائرون التونسيون فى غضبهم وأن يقدموا ما يبدو مجرد هبة شعبية تدمر ولا تبنى، تغير، لكن لا تستطيع تقديم بدائل، الأمر الذى يقطع الطريق على حلم الشعوب ويبقى على القبضة الحديدية للأنظمة، لكن أمنيات الأنظمة العربية تظل مثل أمنيات دراكيولا بالخلود، بعد وضوح باب التغيير أمام الشعوب العربية التى عاشت سنوات من اليأس، أريد لها أن تستمر فيه إلى ما لا نهاية، عكس نواميس الله فى الأرض.
آن للشعوب العربية أن تطمئن إلى أن التغيير ممكن، وأن العدالة، والحكم الرشيد يمكن تحقيقهما إذا صدقت النية وتوافرت الإرادة، وأن الفساد والظلم وغياب العدالة وانعدام المساواة وغياب تكافؤ الفرص ليست أبدا قدرا ولا أمرا سماويا، إن هى إلا انحرافات وشرور من أنفسنا، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة