يقال إن الرئيس زين العابدين كان يخطط لنقل التجربة السودانية إلى بلاده، وتقسيم تونس إلى دولتين حتى إذا طردته دولة منهم حكم الثانية.. وقد سأل رجاله قبل أن يهرب "ألا يمكن أن يتحملنى الشعب بعض الوقت.. فأنا عجوز تعديت السبعين قد أموت فجأة"، فقالوا له: "لا نعتقد سيدى الشعب.. لا يصدق أنك فى السبعين بعد عمليات التجميل".. ويحكون أنه كان يبكى ويتوسل لمستشاريه بأن يفعلوا أى شىء حتى يهدأ الشعب ويبقى رئيسا حتى مماته، فقال له أذكاهم (إذا نقتلك الآن معالى الرئيس)..
وأثناء هروبه بالطائرة استدعى طبيبه وشكا له أنه لم ينم منذ أيام رغم الأدوية المنومة والمهدئات التى يتناولها، وسأله ماذا يفعل كى ينام؟؟ فنصحه الطبيب بأن يقرأ أشياء مضحكة مثل خطبة الشعبية مثلا أو رسائل محبيه.. لا حد يستطيع أن يشعر بمشاعر هذا (الديكتاطور) الذى سقط فجأة تحت شعار "العجل وقع هاتوا السكينة".. إلا أن أحد أصدقائى سخر من هذا الكلام، وقال كنت فين من 23 سنة.. وكانت إجابتى "كنت لسه عيل فى ابتدائى"...
على أى حال هى فرصة لا تعوض لأمثالى من الغلابة (المتشفيين بالكلمات) فى الانقضاض على جثة "ديكتاطور" عتيق والتقطيع فى لحمه (مع احترامى الشديد لمعاليه لو رجع رئيس تانى).. وبصراحة أنا أشفق على هذا النوع من الفصائل البشرية لأنه مخلوق (مش خلقه ربنا) فأى "ديكتاطور" صناعة محلية.. فلو افترضنا مثلا أن زين العابدين عينوه رئيساً لأى دولة أوروبية لما تحمله شعبها أكثر من 23 ساعة وليس 23 سنة.. ولكن الكثير من المجتمعات الإقليمية تجيد تربية "الديكتاطور" للحصول على ثروات طائلة.. فكل من حول "الديكتاطور" ملوك متوجة تلعب بالمليارات وبعقله الصغير الذى يتيح لهم هذا الفساد ويلطخ اسم معاليه بالهباب حتى تحدث الكارثة.. ويهربون هم قبل معاليه وينعمون بالثروة بلا خوف، أما الديك الكبير والطور العظيم فيعيش مرتعشا فى خوف وذل سجين فى ملجأه السياسى.. فـ"الديكتاطور" ضحية وليس أمير الطغاة كما يظن الناس.. فكل من حوله يشجعونه على الفساد حتى يفسدوا معه ويعيشوا فى (المليطة) وهو مصطلح علمى يعبر عن البيئة المثالية لنمو تلك الكائنات وتضخمها.. وحينما تستقر (المليطة) فى حكم البلاد يبدأ المواطنون فى البحث عن فرص للدخول فيها والاستفادة منها ويظل الحكم "الديكتاطورى" قائما تبعا لحجم المستفيدين من تلك المليطة.
وعلى ما يبدو فإن زين العابدين لم يفهم ذلك جيدا وزن على خراب عشه وجعل من (المليطة) ضيعة خاصة بأهله وعائلة زوجته حتى هب فى وجهه الشعب كله.. ودرجة احتمال الشعوب "لـ"الدكتاطوريين" مختلفة.. ففى الاتحاد السوفيتى السابق كنا نسمع عن كوارث ومصائب لا يحتملها حيوان وكان لـ"الديكتاطور" حكايات وقصص تشبه أبو رجل مسلوخة فى الأدب الشعبى.. كان كالأسطورة المخيفة التى تلعب بمشاعر وأفكار الشعب حتى أنهم كانوا يعتقدون أنهم أضعف حتى من المقاومة ليكتشفوا بعد موته أن "الديكتاطور" السابق كان يعانى تخلفاً عقلياً أو تبولا لا إرادياً.. وأحيانا يحصل "الديكتاطور" على الحكم لأن الشعب لا يهتم بذلك أو لأن المشاركة السياسية للمواطنين معدومة فيحكم من يصحوا منهم مبكرا رغم أنه أبعد ما يكون عن صفات الحاكم.. وقديما قال المفكر الإسلامى سفيان الثورى: "اثنان لا يصلح أحدهما إلا بصلاح الآخر الحاكم والرعية".. فلو صلح الرعية لفهموا كيف يختارون حكامهم ولو صلح الحاكم لأجبر الفاسدين من الرعية على الصلاح.. وفى النهاية لا أملك إلا أن أدعو للشعب التونسى بالتوفيق والأهم بالتوافق.. لأنهم قد يكونون قد تخلصوا من "الديكتاطور"، ولكن المليطة موجودة والفساد إذا انغرس فى البلاد لا يسهل اقتلاعه، لأن مصالح الملايين ترتبط به وبطرقه الملتوية، فينقسم الشعب إلى قسمين.. فمنهم من يبحث عن الحرية ومنهم من يبحث عن مليطة أخرى يجنى منها ثمار شروره..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة